لا تحتمل القسِمة
كتبت: مريم البرنس
محررة سابقة
أحيانًا تلتبس علينا الأمور فتبدو بعض القضايا مُربكة وبعض الحلول رمادية. وهذه آفة الأزمان ومُعضلة الإنسان في كل أرض. ولكن الحق عندما يخلو من أي شائبة يتجلّى ساطعًا وهّاجًا ويترائى للقلب قبل العين ولو كان بينهما بعد المشرقين
هكذا سيناء وهكذا تكون الأرض التي اختصّها مَن سوّاها. الأرض الوحيدة التي رأت خالقها. ولأنها رأت الحق، صار مقرونًا بها في كل شيء، ولأن الحق واحد أوحد، لا يمكن رؤية سيناء بطريقتين ولا يمكن لعقيدتين أن تتنازعاها، لا بد وأن تحق إحداهما ثم لا بد وأن تنحل الأخرى. سيناء لا تحتمل الرأي والرأي الآخر. سيناء لا تحتمل القسمة
قد يظن بعضنا أن طول الصراع يوحي ببطلان الحُجتين وقد يصح هذا إذا صح القول أن ما يجري في سيناء هو صراع بين خصمين متكافئين يفوز أحدهما في جولة ثم ينهزم الأخرى. بل لا يستويان.. أبدًا
.عندما تدور الحرب بين ذي يقين وذي عوج تكون الغَلَبة بأحد الأمرين: يودع الأول الثاني مُستقرّه في أسفل سافلين. أو يغدر الأخير بالأول فيحمله حيث مثواه في عليين
.لذا فالحق أننا لا نرى كل يوم سوى انتصارات متتالية لا يقطعها اندحار، وقد كان آخر تلك الانتصارات أول أمس
هكذا ظفر شهداء مذبحة رفح الأولى وأحمد المنسي ومحمد أبو شقرة وعمر القاضي وخالد المغربي وآخرهم شهداء بئر العبد. هي حكاية كل من منحنا فرصة جديدة على هذه الأرض، من عرفنا منهم ومن لم نعرف
هناك، عند مفرق فرعي الأحمر يربض لأجلنا رجال هم نحن .. ونحن هم. قد رأينا وجوهم في مختلف محطات حياتنا. عرفناهم أول مرّة بين طيّات القصص عن ملاحم ١٩٦٧ حتى ١٩٧٣. مرّة رأيناهم رأي العين عند هذا الكمين أو تلك المنشأة أو في ميادين الثلاثين من يونيو. أما عن المرّات التي يغيبون فيها عن أعيننا يكونون هناك.. لا تغفل أعينهم عنا
لقد أمنّا قبل أن نرى خوفًا، قبل أن نعرف ماهية الحياة بين أعطاف الموت، قبل أن يصوَّب إلى صدورنا سلاح، قبل أن نترك بيوتنا قسرًا، قبل أن نختبر ذُل اللجوء، قبل أن تُسفك دماؤنا في كل زقاق، وقبل أن نموت جوعًا وكمدًا
لم يَفْتِنَهُمْ الرمادي عندما اختلط الأبيض بالأسود، لم يساورهم الشك عندما أوذوا وأُخرِجوا من ديارهم في سبيل الله، لم يعجزهم (الاختيار) عندما تبين الرشد من الغي، ولم يراجعوا القرار مرّتين عندما لاح وجه الموت. رجال مَثَلُهُم في سيناء مَثَل طورها، لا تحرّكه إلا خشية الله
.رجال سيناء أدرى بشعابها ونحن أدرى برجالنا. سيناء لنا، لا تحتمل القسمة، وجيش مصر حق، لا يحتمل الخطأ