اليوم السادس: نقطة نور في نهاية الطريق
في السابع والعشرين من شهر مارس، تم فرض حظر التجوال في جميع أنحاء الجمهورية للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد. يعم الهدوء في جميع أنحاء البلد من الساعة السادسة مساءًا حتى السادسة صباحًا في اليوم التالي
القصص التي نشاركها معكم هي قصص رواها أعضاء مجتمع الجامعة الأمريكية يعبرون عن كل ما يشعرون به إثر فيروس كورونا المستجد وكل الإجراءات الاحترازية التي تتخذها البلاد،ليخبروا الجميع كيف يقضون يومهم أثناء العزل المنزلي وعن تجربتهم مع التعلم عن بعد
.في تلك الفترة، نود أن نوثق كل يوم وكل لحظة نمر بها، لذلك نرغب في أن نستمع إلى مجتمع الجامعة كله من الطلاب إلى أعضاء هيئة التدريس
إن كنت ترغب في مشاركة قصتك معنا، راسلنا على caravannews@aucegypt.edu
اليوم السادس: 2 أبريل 2020
عدد الإصابات في العالم: ٩٤٩،٧٨٥
عدد الوفيات في العالم: ٤٨،٢٩٦
عدد الإصابات في مصر: ٧٧٩
عدد الوفيات في مصر: ٥٢
كتب: خيري دومة
أستاذ في قسم الحضارة العربية والإسلامية ورئيس قسم اللغة العربية بجامعة القاهرة
لو أن أحدًا من شهور فقط حدثنا عما يجري لنا وللعالم كله الآن مع كورونا لقلنا إنه يتحدث عن خيال علمي. كلنا في هذا العالم الصاخب السريع، كنا في حاجة إلى استراحة محارب، ولكن من كان يتصور أن تدعونا الضرورة وبسرعة، إلى هذا الذي يسمونه (تباعد)، ويحددون مسافة التباعد بين متر ومتر ونصف بينك وبين كل شخص آخر؟
من كان يصدق أننا سلنجأ إلى عزلة اختيارية ثم إجبارية نواجه بها شبحًا لا يراه أحد؟، لكنه شبح جاد جدا أخذ يحصد الأرواح، وفي بلاد تعودت التغذية والنظافة والنظام
منذ شهرين تقريبا، كنا في طريق العودة من برلين إلى القاهرة قبل بدء الفصل الدراسي الحالي، كانت الأزمة في بدايتها محصورة في منطقة ووهان بالصين، كان منظرنا غريبا ونحن نرتدي الكمامة وسط جموع من المسافرين في المطارات لا ترتديها، لكن الأزمة أخذت تتصاعد بوتيرة رهيبة اضطرتنا إلى وقف كل أشكال التواصل، بما فيها بالطبع التواصل في الجامعات والمدارس
لم أكن أتصور أن الأزمة العالمية ستتطور إلى هذا الحد، لم أكن أتخيل حتى أنني سأكون بحاجة إلى تدريب على وسائط التعليم عن بعد، وحين دعيت إلى هذا التدريب تكاسلت واعتذرت، ولم أكن من المتحمسين لهذا النوع من التدريب، حتى وقعت الواقعة، ووجدنا أنفسنا وجها لوجه مع المجهول
ومن أكثر الأشياء إزعاجًا في أزمة الكورونا، أنك لا تستطيع أن تتعرف على الحقيقة وتميزها من الزيف، الأخبار والفيديوهات والنصائح من كل اتجاه، وعبر كل الوسائط، وكلها تدعي علمًا ومعرفة حاسمة، أنواع من المأكولات والمشروبات والأدوية، دعوات للسلوك على نحو معين، ونظريات للتفسير متضاربة. وأكثر الأشياء إزعاجًا في هذه الأزمة أنك لا تستطيع أن تعرف متى ستنتهي وكيف، وهل ستعود حياتنا الطبيعية كما كانت، بلا كمامات وبلا منظفات ومطهرات وتباعدات وخوف من كل الرذاذ والغبار الذي يحاصرناّ
ثم كانت الطامة الكبرى حين وجدنا أنفسنا وجهًا لوجه مع مطالب التعليم عن بعد وسط هذا الجو الكئيب الذي يبدو بلا نهاية، علينا تظبيط الأجهزة وإصلاحها، والتحكم في الانترنت وانقطاعاته، وتجهيز مادة الدروس، ثم بعد ذلك وسيلة التواصل مع مجموعات من الطلاب، بعضها يبدأ من 10 كما في حالة الدراسات العليا، وبعضها حوالي 25 طالبًا كما في حالة طلاب كورسات ARIC ، وبعضها يصل إلى 400 كما في حالة طلبة الليسانس بجامعة القاهرة
وقع الصدمة تركني مشلولا تقريبا، لم أستعد القدرة على الحركة إلا من أيام قليلة، شكوى الحال والضيق به يتردد في كل المحادثات بين الزملاء وعلى مجموعات الواتس والماسنجر وغيرها
كل الأمور مطلوب أن تتم على عجل، عليك أن تكتسب المهارات وتعيد إنتاجها بسرعة، عليك أن تجهز المادة في صورتها الجديدة، عليك أن تحافظ على ثقة الطلاب الذين يواجهون هم أيضًا مأزقًا لم يواجهوه من قبل، خصوصًا من خططوا للتخرج هذا العام
.الأسبوع الثاني قد يسمح ببعض الانفراج، لمن لديهم القدرة على التكيف واستعادة السير في الطريق بوسائل جديدة، من الأساتذة والطلاب على السواء
.ننتظر فقط أن نرى وسط هذا السديم، من يشير ولو من بعيد إلى نقطة نور نسعى وراءه