متلازمة الجامعة الأمريكية
كتبت: آية أبوشادي
نائبة مديرة قسم اللغة العربية
منذ بضعة أسابيع، لفتت نظري تغريدة ما على “تويتر” ما كان مكتوب بها هو التالي:”لماذا يظل طلاب الجامعة الأمريكية متعلقين بها حتى بعد التخرج؟“.
ودعوني أقول لكم أن من كتب هذه التغريدة كان غرضه الاستهزاء بالفكرة نفسها، مشيرًا إلى آنها عادة سيئة وغير صحيّة على الإطلاق.
وتوالت التعليقات على هذه التغريدة بالطبع؛ فكان هناك من ينعي الجامعة الأمريكية بأنها “فقاعة” أو من يصفها بأنها واقي حديدي يفصل الطلاب عن العالم الخارجي الحقيقي. ورأى البعض الأخر أن هذه حقيقة ترجع إلى تعالي طلاب الجامعة وشعورهم بأنهم أفضل من كل شخص خارج جدرانها.
وبمنتهى الصراحة، هذا ما ظننته أنا أيضًا في بداية الأمر. لم ترق لي عودة العديد من الخريجين للعمل بالجامعة، سواء في المبنى الإداري أو كمساعدين أساتذة وغيرها من الوظائف. طالما فكرت في ذلك على أنه شيء غير صحي وأن الطلاب لا بد أن يخرجوا إلى العالم الواقعي المختلف تمامًا عن ما يدور داخل الحرم الجامعي.
ولكن بما أن هذا هو فصلي الدراسي الأخير على أرض الجامعة، فبدأت تراودني هذه الأفكار من وقتٍ للأخر؛ و ستتفاجئون عندما أخبركم أنها هي نفس الأفكار التي تراود معظم خريجي الجامعة الأمريكية في عامهم الأخير.
غالبًا ما تدور تلك الأفكار حول عدم تقبل فكرة الرحيل عن حرم هذه الجامعة وكذلك عدم تقبل فكرة وجود حياة بأكملها تنتظرني خلف هذه الجدران. لو كنتم سألتموني من عام واحدًا فقط “متى تريدين أن تتركي الجامعة؟” لكان جوابي “حالًا“.
لا أعلم لماذا كنت متشوقة للحياة بعد التخرج لهذه الدرجة. ولكن الآن، سأقول أني بالطبع أٌفضل البقاء، حتى لو كان يتعين علي الرسوب في مادة أو اثنين، في سبيل ذلك. إلى جانب كل ذلك، أنا على يقين تام أن لو علم والدي بما يدور في عقلي، لن يرحب بالفكرة لأنه يتوق إلى يوم تخرجي بشدة.
ولكن الأهم أنه سيتعجب كثيرًا لأنني كنت كثيرة الشكوى من الجامعة وضغوطاتها ومتطلباتها التي لا تنتهي أبدًا. ولكن على الرغم من كل ذلك، فها أنا ذا، مستعدة أن أتخلى عن الحياة العملية المتعلقة بمجال دراستي، فقط لأقضي المزيد من الوقت مع أصدقائي وحتى أساتذتي الذين لا أستطيع تخيل عدم وجودهم في حياتي لكي يرشدوني إلى الطريق الصحيح، خاصةً رئيس قسم الصحافة والإعلام الذي طالما كان مؤمن بي وبقدراتي وساعدني كثيرًا في دراستي وحياتي.
هذا بالطبع بالإضافة لأساتذتي الآخرين وأصدقائي المقربين وحتى القافلة. فكيف لي أن أترك القافلة بعد كل ما تعلمته في غرفة أخبارها؟ كيف لي أن أترك الحرم الجامعي الذي أصبح مليء بذكريات سوف أحتفظ بها في قلبي دائمًا…
الآن فقط علمت قيمة الجامعة وعلِمت السبب الرئيسي وراء رجوع كل طلابها إليها في النهاية، سواء بالعمل بها أو حتى زيارتها من وقت للأخر. الأمر بسيط جدًا، فهذا المكان هو بيتنا الثاني؛ المكان الذي ساعدنا على إيجاد أنفسنا وبناء شخصياتنا وتكوين أنفسنا، المكان الذي من دونه، ما كنا نحن. فكيف نتركه؟
هذه هي متلازمة الجامعة الأمريكية التي على عكس ما يظنه البعض، لا تدعو للقلق، بل للفخر.