عِرفان
كتبت: مريم البرنس
محررة
تمامًا كما لا أفوِّت ذكرى وفاة كل من أحببتُ يومًا، أذكر تاريخ وفاتك جيدًا وأحرص على أن أُذكِّر به من نسى. صديقي المُفضّل والمُقرّب.. أنيسي ومُعلّمي الأفضل، مصطفى محمود. يوم الواحد والثلاثين من شهر أكتوبر يتمم العام العاشر لرحيلك عنا حتى لم يتبقَ سوى تُراثك الغني والمُغني
أذكر أول عام لي في الجامعة عندما كانوا جميعًا منهمكين في تحضيرات «عيد الهلع»، كنتُ أنا أيضًا أهلع، لا أحد يتذكر مُصطفى محمود! «وماذا نفعل؟ نقرأ له الفاتحة؟» هكذا أجابني أحدهم حينئذٍ. ولم لا؟ كيف تُرى الناس يتناسون من يقدمون لهم الحِكمة على طبق من فضة؟
لك علي فضل لا يقل عن أيٍ ممن عاصرتُ. أنا أكتب، أتفكّر، أحاور، أجادل، أتأمل، وأقرأ لأن «مصطفى محمود» اقتحم طفولتي مُبكرّا فلوّنها بالفلسفات المختلفة وملأها بكل الأسئلة المُجابة والمُستعصية
علّمني كيف أحاور نفسي وكيف أناجي الله فمن خلال نافذتك «رأيتُ» الله» وكلّمته كثيرًا فأيقنت أن «الله والإنسان» أقرب مما كنتُ أظن وأن «العلم والإيمان» متلازمان لا متناحران.. لا يستقيم أحدهما دون الآخر. تغنّيتُ معك ب»أناشيد الإثم والبراءة» و تحليّتُ بالجرأة الكافية كي أجادل في «حوار مع صديقي الملحد» دون أن أخشى على عقيدتي أو اضطر لخوض «رحلتي من الشك إلى الإيمان»
علقتُ هناك من يومها كفريسة في خيوط «العنكبوت» أو كالذي ينشد «الأفيون» بعيدًا عن «عصر القرود» الذي صار «الشيطان يحكم» فيه فبدا لي حالكًا مُعبّقًا ب»رائحة الدم» في كل الأنحاء. عالم وصل فيه الإنسان ل»نقطة الغليان» واستعر الجنون كال»نار تحت الرماد» فأوشك الجميع على الغرق مع «الطوفان»
تأملتُ الناس حينما تجوّلت معك في ردهة «عنبر 7» وتخيّلت كيف يكون الآتي لرجل يعيش «تحت الصفر». كان السمر حلوًا إذ انضممتُ ل»شلة الأنس» وأدركتُ كيف الحياة لها أوجه فتبسم حينًا وتكفهّر أحيانًا لأولئك «الذين ضحكوا حتى البكاء». في رحلة عودتي من السفر أذكر كيف تلوتَ علي «حكايات مسافر» ساورته نفس مشاعري وراودته نفس أفكاري عن روما وبشكل مخيف
مُصطفى محمود، عامك سعيد في الجنة يا صديقي وصديق كل مُغترب خارج أو داخل نفسه. كل عام وأنت تدهشني كلما أعدتُ قراءة خواطرك التي أزهرت من لُبٍّ جميل ومضيء ومُتّقد. كل عام وأنت في ضريحك لا زلت تسعى وتعمل وتُلهم. دع الموت للمنسيين ممن فنوا قبل أوانهم…باقٍ أنت وحيّ مع الأحياء ككل من لم يُهدر عُمره ولم يضيّع مُهلته على الأرض هباءً