Opinion

سن غير مستقر.. سن العشرينات

كتبت‭: ‬ندى‭ ‬طارق

نائبة‭ ‬مديرة‭ ‬قسم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية

أخذت‭ ‬وقتًا‭ ‬طويًلا‭ ‬للتفكير‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬الذي‭ ‬أريد‭ ‬الكتابة‭ ‬عنه‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬العدد‭ ‬الثاني‭ ‬فقط،‭ ‬ولكن‭ ‬تعدد‭ ‬المواضيع‭ ‬يحيرني‭. ‬فأخذت‭ ‬أبحث‭ ‬في‭ ‬الأخبار‭ ‬اليومية‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لأجد‭ ‬فكرة‭ ‬تلهمني‭ ‬من‭ ‬ضمنهم‭ ‬لكتابة‭ ‬مقالي‭ ‬ولكني‭ ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬شيء‭ ‬انتبه‭ ‬إليه‭ ‬سوى‭ ‬اصدقائي‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬اجتماعية‭ ‬مختلفة‮…‬

منهم‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬مندمج‭ ‬في‭ ‬دراسته،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬يحتفل‭ ‬بخطبته،‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬يحتفل‭ ‬بتخرجه،‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬يحتفل‭ ‬بإيجاد‭ ‬وظيفة‭ ‬أحلامه‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬يجهز‭ ‬لاستقبال‭ ‬أطفاله‭ ‬وأنا‭ ‬تائهة‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬هذا‭ ‬السن‭ ‬الغير‭ ‬مستقر‭. ‬

هذا‭ ‬السن‭ ‬اصلذي‭ ‬يُحدد‭ ‬فيه‭ ‬مستقبلنا‭ ‬مع‭ ‬شريك‭ ‬الحياة،‭ ‬مجال‭ ‬العمل‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬قرارات‭ ‬مصيرية‭. ‬

هذا‭ ‬السن‭ ‬الذي‭ ‬تُحسب‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬كلمة‭ ‬نطلقها،‭ ‬كل‭ ‬قرار‭ ‬نتخذه،‭ ‬كل‭ ‬علاقة‭ ‬نخوضها‭ ‬وكل‭ ‬خطوة‭ ‬نخطوها‭.‬

هذا‭ ‬السن‭ ‬الذي‭ ‬نصبح‭ ‬فيه‭ ‬تائهين‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬كنا‭ ‬نعرف‭ ‬ماذا‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نفعل‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭..‬وحتى‭ ‬ان‭ ‬كانت‭ ‬لدينا‭ ‬خطط‭ ‬منظمة‭.‬

كنا‭ ‬نُسأل‭ ‬في‭ ‬صغرنا‭ ‬من‭ ‬مدرسينا‭ ‬وأقاربنا‭ ‬‮«‬نفسك‭ ‬تطلع‭ ‬ايه‭ ‬اما‭ ‬تكبر؟‮»‬‭ ‬وكان‭ ‬ردنا‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬الاحلام‭ ‬التي‭ ‬نرسمها‭ ‬والحياة‭ ‬التي‭ ‬نتمنى‭ ‬أن‭ ‬نحققها،‭ ‬كنا‭ ‬نتخيل‭ ‬أن‭ ‬سننا‭ ‬الحالي‭ ‬سيكون‭ ‬سن‭ ‬منظم‭ ‬ومستقر‭ ‬نحقق‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬حلمنا‭ ‬به‭ ‬بكل‭ ‬سهولة‭. ‬

ولكن‭ ‬الآن‭ ‬بعد‭ ‬وصولنا‭ ‬لهذا‭ ‬السن،‭ ‬هذا‭ ‬السن‭ ‬الذي‭ ‬نحاول‭ ‬فيه‭ ‬تنفيذ‭ ‬ردنا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬السؤال،‭ ‬اكتشفنا‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬الوصول‭ ‬لما‭ ‬نأمل‭ ‬إليه‭ ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬خطوات‭ ‬كثيرة‭ ‬وإدراكات‭ ‬أكثر‭.‬

سن‭ ‬العشرينات‮…‬‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬السن‭ ‬الغير‭ ‬مستقر‭.‬

السن‭ ‬الذي‭ ‬نكتشف‭ ‬فيه‭ ‬حقيقة‭ ‬الحياة،‭ ‬حقيقة‭ ‬وجود‭ ‬مسؤوليات،‭ ‬حقيقة‭ ‬النزول‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭.. ‬

فمنا‭ ‬من‭ ‬يبدأ‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬مجاله‭ ‬خارج‭ ‬قوقعة‭ ‬الجامعة،‭ ‬فيقابل‭ ‬ناس‭ ‬بمختلف‭ ‬العقليات،‭ ‬و‭ ‬منا‭ ‬من‭ ‬يكتشف‭ ‬مجال‭ ‬آخر‭ ‬يجعله‭ ‬يغير‭ ‬مساره‭ ‬الذي‭ ‬رسمه‭ ‬لنفسه‭ ‬منذ‭ ‬صغره‭ ‬لعدة‭ ‬أسباب‭.‬

فغالبًا،‭ ‬ينقسم‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬العشرينات‭ ‬إلى‭ ‬مجموعتين‭: ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬مازالوا‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬رافضين‭ ‬تقبل‭ ‬الحاضر‭ ‬والمسؤوليات‭ ‬التي‭ ‬تطاردهم‭. ‬مازالوا‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬المراهقة‭ ‬وذلك‭ ‬يظهر‭ ‬في‭ ‬تصرفاتهم‭.‬

هذا‭ ‬لا‭ ‬يعيبهم‭ ‬ولكن‭ ‬يأتي‭ ‬هنا‭ ‬السؤال‭ ‬‮«‬هل‭ ‬سيندمون‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬إدراكهم‭ ‬أهمية‭ ‬هذه‭ ‬الفترة؟‮»‬

وهذا‭ ‬السؤال‭ ‬ينقلنا‭ ‬للمجموعة‭ ‬الأخرى‭ ‬وهم‭ ‬الناس‭ ‬التي‭ ‬تخطط‭ ‬وتنظم‭ ‬حياتها‭ ‬المستقبلية‭ ‬المترتبة‭ ‬على‭ ‬اختياراتهم‭ ‬الحالية‭ ‬بسبب‭ ‬إدراكهم‭ ‬لهذه‭ ‬الفترة‭.‬

ولكن‭..: ‬‮«‬هل‭ ‬هؤلاء‭ ‬الناس‭ ‬سيندمون‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬استمتاعهم‭ ‬بآخر‭ ‬فرصة‭ ‬للرجوع‭ ‬لسن‭ ‬المراهقة؟‮»‬

لا‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬أحدهم‭  ‬اخطأ‭ ‬الاختيار‭ ‬والآخر‭ ‬نجح‭.. ‬الاثنين‭ ‬لديهم‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬سليمة‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬مريحة‭ ‬نفسيًا‭ ‬لكل‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬ما‭ ‬تمنوه‭ ‬او‭ ‬ما‭ ‬يريدونه‭ ‬الآن‭. ‬

وأنا‭.. ‬لا‭ ‬أجد‭ ‬كلمات‭ ‬أخرى‭ ‬أقولها‭ ‬سوي‭ ‬أن‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬منا‭ ‬أن‭ ‬يستمتع‭ ‬بما‭ ‬يفعله،‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬منا‭ ‬أن‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬الراحة‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬وليس‭ ‬عن‭ ‬الصح‭ ‬او‭ ‬الخطا،‭ ‬لأن‭ ‬تحديد‭ ‬المستقبل‭ ‬هو‭ ‬اختيار‭ ‬الشخص‭ ‬ذاته‭ ‬وليس‭ ‬اختيار‭ ‬شخص‭ ‬اخر‭.‬