طلاق الأبوين وتأثيره على الشباب
تقرير: آية أبو شادي
طلاق الوالدين ليست تجربة سهلة أو محببة على الإطلاق، رغم أن البعض يظنون أن الحياة كانت ستصبح أجمل بكثير إذا استمر الوالدان معًا لتكتمل العائلة، والبعض الآخر يعتقد أن انفصالهما كان للأفضل. لكنه في كل الأحوال تجربة قاسية.
أصبح الطلاق من أكثر الأغراض الشائعة في مجتمعنا اليوم، خاصة في مصر. حيث أن نسبة الطلاق في مصر وصلت إلى ٤٤٪ ومستمرة في الارتفاع، وهذا يعني تقريبًا ٢٠٠ حالة طلاق بالجمهورية يوميًّا. وكما نعرف، طلاق الأب و الأم، أيًّا كان سببه لا يؤثر فقط عليهما، بل الأطفال هم الذين يتأثرون كثيرًا.
هؤلاء الأطفال أحيانًا يصابون بأزمة هوية عندما يكبرون، أي أن طلاق الوالدين يسبب أحيانًا اضطرابات نفسية أو اختلافًا، بشكل عام، في الشخصية وطريقة الحياة.
قالت ت.س، صاحبة ال٢٢ عاما: «جاء طلاق أمي و أبي قبل وفاة أبي بسنوات قليلة عندما كنت في الحادية عشرة من عمري، وفي الحقيقة إني أرى للموضوع مميزات بقدر ما أجد فيه عيوبًا. طلاق أبي وأمي جعل مني شخصًا مسؤولًا، ومحى من حياتي ضرورة الاعتماد على رجل، لأن هذا يعد المعتاد في مجتمعنا اليوم».
وتحدثت أيضًا عن أن المرور بهذه التجربة أجبرها على فقدان العنصر الذكري بحياتها، حتى قبل وفاة أبيها. بالرغم من مساندة أمها لها منذ ذلك الوقت الحرج حتى الآن، فهي تشعر أن فقدان أبيها ساعد في تحقيق صورة المرأة القوية المستقلة التي طالما حلمت بها، لأنها رأتها في والدتها منذ الصغر.
وأضافت: «عندما يصل الأهل إلي حل الطلاق، فهذا يكون نابعًا من استحالة الحياة سويًّا. فأهلي، على سبيل المثال، لو كانوا قد استمروا في هذا الزواج، كانت المشاكل والمشادات ستزداد وتكبر بدون أي داعٍ، وأنا أعتقد أن هذا سيؤثر بشكل سلبي أكثر من فكرة الانفصال نفسها».
على الرغم من أن صاحبة ال٢٢ عامًا أكدت أن طلاق والديها كان أفضل بالنسبة لها، ففي نفس الوقت، هي لا زالت قادرة على لمس عيوب ونتائج هذا الطلاق السيئة.
وقالت: «عندما يحدث الانفصال، فإن وسيلة الاتصال والقرب من الطرفين في نفس الوقت تزداد صعوبة، ففي حالتي، بُعدي عن والدي أدى إلى عدم علمه بتفاصيل حياتي، مما أدى أيضًا إلى فقدان عامل مهم في تكوين شخصيتي، فتأثير الأبوين في نفس الوقت على أبنائهما ضروري جدًّا للتوازن العام في الشخصية، وفقدانه يؤثر تأثيرًا سلبيًّا سلبًا حادًّا».
أضافت أنه مع الأسف الشديد حتى مع وجود طرف واحد دائم يقوم بكل شيء في سبيل هذا الابن الذي وقع عليه الاختيار لينضج بين أسرة مفككة، وحتى لا يشعر بالمساوئ، فإنه لا محال من إصابة هذا الشخص بالضيق والقلق المزمن بالإضافة إلى خوف الارتباط، بعدما عاصر هذا الموقف مع أبويه.
قالت: «هذا الخوف من الارتباط أو الزواج بشكل عام ينبع من احتمالية تغير هذا الشخص بعد الزواج، على سبيل المثال، لأن هذه التجربة التي مررت بها من قبل جعلتني أشك بكل من يحاول الاقتراب مني، بأنه لن يستمر على حاله ولن يظل نفس الشخص الذي أحبني وأحببته».
قالت الأستاذة أمل باديب، المستشارة الأولى في مركز صحة الطلاب بالجامعة الأمريكية في القاهرة: «طلاق الأهل يمكنه أن يسبب القلق المزمن والاكتئاب لدى الأبناء إذا حدث الطلاق نفسه بطريقة عنيفة وخاصة إذا تم حرمان الأبناء من رؤية أحد والديهم».
وأضافت باديب أنه ليس بالضرورة أن يكون طلاق الأهل له آثار سلبية، فالموضوع نسبي ويعتمد على الطريقة والأسلوب الذي اتخذ به خطوة الطلاق.
ب.ش، البالغ من العمر ٢١ عامًا كان في الواقع، طفلًا ذا طابع انطوائي، وطلاق أهله حدث وهو في التاسعة من العمر، وبقدر ما كان والداه يحاولان الانفصال بحذر شديد لكي لا يؤثرا على أبنائهما، لم يكن هذا سهلًا، بالطبع.
قال: «منذ الصغر، كنت أتابع فقط ما يدور بدون إبداء أي رد فعل عاطفي أو غير ذلك، ولكنني أتذكر أن أخي الذي يكبرني بثلاثة أعوام وكيف كان الأمر أشبه بكارثة بالنسبة إليه، لدرجة أنه ترك المنزل لبعض الوقت وذهب للعيش مع جدتي، ثم مكث مع أمي وحاليًا يعيش بمفرده».
بالرغم من التأثير والتفكك الكبير الذي حدث في أسرته بأكملها بسبب هذا الطلاق، إلا أن ب.ش لا زال لا يستطيع تخيل الأمر لو استمر أهله في الزواج الذي كان كثير المشاكل والصعاب.
وأضاف: «في الواقع، إني في ارتياح لأن هذا الطلاق حدث، عندما أفكر مع نفسي في بعض الأوقات، أجد أنه لم يكن هناك حلً آخر، ما حدث كان لصالحنا أكثر من أي شيء. لكن بالطبع، في نفس الوقت، كل شيء له عيوبه ومميزاته، وفي هذه الحالة، عدم الاستقرار كان أحد هذه العيوب».
أضاف ب.ش، «منذ طلاق والداي، لم أشعر أبدًا أن لدي منزلًا لأعود إليه، منزل أمي كان الأقرب لقلبي لكن لازلت لا أشعر أنه بالفعل مكاني، أمام منزل أبي، فبعد أن تزوج، لم أعد أشعر أن هذا المكان الذي مكثت به وقتًا طويلًا هو بيتي من بعد. فدائمًا كنت أتاخر بالخارج حتى لا أعود إلى المنزل، وكنت أستيقظ باكرًا لكي أخرج من هذا المكان في أسرع وقت ممكن».
ذكر أيضًا الشاب أنه رأى الفارق بين العائلة المفككة والمستقرة أكثر وضوحًا عندما قارن بين الأجواء التي ترعرع بها هو وإخوته في ظل ظروف الطلاق وكيف ترعرع إخوته من أبيه وزوجته الثانية في بيت مستقر يتواجد به جميع أطراف الأسرة. أضاف أيضًا أن الفارق واضح في الشخصية وأن الطلاق يؤثر بطريقة سلبية جدًّا على الأبناء ولكن في أحيان كثيرة يكون لا مفر منه.