خلص الشتا
كتبت: نوران العشري
مديرة تحرير قسم اللغة العربية
اختلفت مع أصدقاء كثر حول الفصول المفضلة لنا. تعند البعض وتمسكوا بحبهم للصيف لما يجدون فيه من حرية وحركة ومرح. اعتدت أن أتعجب لحبهم للصيف وجادلت أن لا بديل للشتاء. فصيف بلادنا قاسي بينما عليل الشتاء مميز. كما أن الطقس الذي نشهده طوال العام يميل إلى الحرارة وإنها بضعة شهور فقط التي نستمتع بالجو البارد بها. فأي عقل بشري لا يفرح بحلول ذاك الطقس الذي نحياه لشهور قليلة فقط؟
كنت أرجع حبي للشتاء إلى يوم ولادتي. فأبناء يناير الذين ولدوا في أشد الشهور برودة لابد أن يميلوا وينتموا إلى هذه الأجواء طيلة حياتهم. كأن اللجوء لهذا الطقس يعيدهم لمنطقة الآمان لأكثر فترات حياتهم سكونًا وراحة. لكن الغريب، أن اختلفت المقاييس هذا العام.
كنت أسير يومًا في طريق العودة إلى البيت هذا الشتاء حين وجدت نفسي أتساءل ما إذا كان لهذا الشتاء نهاية وما إذا كان لهذه البرودة مفر. فشتاء هذا العام كان قاسيًا في كل جوانبه وليس في الجوانب الجوية فقط.
تقلب الطقس مرارًا كما تقلبت أجواء نفسي. فيكون اليوم ساكنًا ويليه رياح وتكون الشمس ساطعة وتليها أمطار. تمامًا كما فعل الشتاء في أنفسنا. نكون ساكنين حتى نشعر بالغيوم تخيم على صدورنا. نجاهد حتى نسمح للضوء بالتخلل إلى داخلنا وتكون ساعات فارقة التي تمنع هذا الضوء من أن يسود مرة أخرى.
أراها مقارنة عادلة. لا أعلم لماذا ارتبط الشتاء بالحزن ولماذا تطاردني ذكرى البكاء حين أتذكر الأمطار. لم أكن أعلم لماذا يخشى الناس حلول الشتاء وكأنهم اعتادوا على أن يأتي الشتاء آخذًا أحبة ماحيًا ضحكة وتاركًا ظلمة حتى يعود في العام المقبل.
حتى أصبحت مثلهم. أخشى حلوله لقسوة ما أخذ في مراته السابقة. أخشى أن يخدعنا بتقلباته كما يخدعني هدوء نفسي الذي أضحى لا يدوم طويلًا. أنتظر نهايته وكان بها نهاية لكل المشكلات وجميع المشاعر السلبية.
أخشى أن يكون هذا أملًا كاذبًا أربطه بنهاية الشتاء وكأن هذه آخر محاولاتي. كأني أُرجع كل مخاوفي ويأسي للطقس الذي حتمًا بريء من اتهاماتي. لكنها الحقيقة.يقسو كل الشتاء عن ما قبله كأنهم في سباق حول هدم الآمال والطموحات. حتى أصبحت مثلهم.
أنظر إلى التاريخ حتى أرى أن أوشك الشتاء على المُضي وأن استقبال الربيع قادم ليزهر ما أذبله الشتاء وأماته. أنتظر سكون الربيع وأخشى حلول الشتاء مرة أخر حتى يثبت لي هو عكس توقعات الجميع وأراه لين القلب غير مُصر على جلب الحزن.