العجز عن التعبير، نعمة أم نقمة؟
كتبت: إيمان خروشة
نائبة مديرة التحرير قسم اللغة العربية
القدرة على التعبير وإظهار المشاعر هبة لا يملكها الكثير مِن الأشخاص، مِما قد يسبب مشاكل وأزمات بين العلاقات الإنسانية بشتّى أنواعها. وذلك لأننا بشر، مِن الطبيعي أن نفتقر إلى كلمة طيبة أو ابتسامة صادقة مِن عزيزٍ علينا، ولكن ماذا إن كان هذا العزيز لا يمتلك القدرة على التعبير عن مشاعره؟
لا أعلمُ بالتحديد ما الذي قد يؤدي إلى وجود رغبة داخلية لدى أي شخص بأن لا يفصح عن مشاعره لِمَن يُحِب، ولكن أعتقد أنها في الكثير مِن الأحيان لا يمكن إطلاق عليها «رغبة».
ببساطة لأن هذا الصمود الظاهر وقسمات الوجه الجامدة قد تنبع مِن نفسٍ تود لو أفصحت عن الكثير..ولكنها تجهل كيفية فعل ذلك، أو تخشى الأمر كله لأسباب عدة، مثل الخوف على مشاعر الآخرين، الخوف مِن مُعاتبتهم أو الخوف مِن أن يسخروا مِن مشاعرك.
خاصةً إن كان رجُل.. لأن الذكور عادةً ما ينشأون في المجتمع المصري على أن يخفوا مشاعرهم، مهما كانت صادقة ومهما اتسمت بالعفوية والحب، أو الحزن. لذلك، قد نجد الكثير مِن الرجال بالكاد يبكون، أو بالكاد يفصحون عن مشاعرهم لأفراد عائلتهم.
ولكن على وجه العموم، رجالاً كانوا أم نساءً، فالمشكلة واحدة والنفس البشرية واحدة باختلاف العوامل الخارجية التي تُشكل كل مِنّا بطريقةٍ مُعينة.
تتفاقم مشكلة العجز عن التعبير في الكثير مِن الأحيان حينما يؤثر ذلك على الشخص نفسه، لا على غيره، بل ويجبره أن يُظهر عكس ما يشعر في باطنه، وأخص بالذكر مَن يفعل ذلك دون إرادةً مِنه، وليس نفاقاً.
فإن كان حزيناً، لا إرادياً يجد نفسه يُمثِل السعادة على الآخرين وينشر الابتسامات بين الكل، وإن كان مهموماً، قد يُفضل ألا يشارك أحد همه و يتقوقع على نفسه لأجلٍ غير مُسمى، وإن كان يحب، يجد نفسه يُعامل ذلك الشخص بقسوة وغياب أية مشاعر إنسانية.
بالطبع، يخلق ذلك مفاهيماً خاطئة لدى المُتلقي، مِما يؤدي إلى مشاكل في التواصل وأخذ انطباع عن ذلك الشخص أنه قاسي القلب وعديم الشعور.
ولكن، إن عَلِمنا بمشكلته قد تتسنى لنا الفرصة حتى نساعده ونقلل مِن عبء مشاعره عليه.
على صعيدٍ آخر، يظن الكثير مِن الأشخاص أن عدم القدرة على الإفصاح عن المشاعر هي بمثابة نعمة، وليست نقمة. آخذين في اعتبارهم أن إظهار المشاعر ما هو سوى إظهار الضعف والخضوع للطرف الآخر، سواء كان صديق أو حبيب أو أخ.
لكنني لا أتفق مع تلك العقلية، ببساطة لأن التعبير عن المشاعر قد يكون أي شيء سوى الضعف، بل إنه القوة ذاتها.
القوة في أن يمتلك أياً مِنّا القدرة على أن يقول لِمَن يُحب أنه يُحبه، في أن يقول لعزيزٍ عليه أنه حزين ويحتاج أن يختلي بنفسه بعض الوقت، في أن يفصح عن دموعه التي بالكاد تنهمر على وجنتيه.
ولا أقصد أن يقتصر القول في القول اللفظي، يشمل القول الكتابة، والابتسامات الصادقة، والحنو على مَن نشعر أنه يحتاج إليه، وقول النكات لِمَن نريد أن نخفف عنه.. يشمل التعبير أشياء كثيرة لا تُعَد ولا تُحصى، فمَن يجهل أحدهم يمكنه اللجوء إلى وسيلة تعبير أخرى..
أرى أن القدرة على التعبير هي حلقة الوصل الوحيدة بين البشر، فإن غاب، غابت معه أية مشاعر نبيلة وصافية. لذا، عبروا عن ما يكمن داخلكم ما شئتم ولا تخافوا أن يسيء أحد فهمكم.. عبروا عن كل ما تشعرون به ولا تتركوا مشاعركم أسيرة قلوبكم..