إفتتاحيه العدد الخاص : دائرة التنمر…
حينما نُشير إلى مصطلح «التنمر»، أول ما قد نُفكر به هو الصورة النمطية لطلاب الثانوية الذين يتحكمون ويتوعدون للطلاب الأصغر سناً.
إن وُلِدتَ في التسعينات، أول ما قد يخطر على بالك هي عبارة «لا تستطيع الجلوس معنا» من الفيلم الشهير Mean Girls، وهو فيلم يحكي عن تنمر الفتيات في هذا العمر لكل من معهم بالمدرسة.
على الرغم مِن أن هذه الصور النمطية مؤلمة وجارحة، ولكن في الواقع، يُمكن للتنمر أن يأخذ صوراً خطيرة آخرى ليس من السهل تحديدها أو التعارف عليها.
وبالتالي، حينما نعجز عن تحديد التنمر، نعجز عن حماية أنفسنا، أو حتى أسوأ، من الممكن أن نصبح نحن المتنمرين بدون حتى أن ندرك ذلك.
عندما تُجرَح أو تُهان مِن قِبَل أحدهم، تعلم أن ذلك ليس طبيعياً، بل وتعلم أنه فِعل عدواني وأن الفاعل بالطبع، ليس بصديقك..
ولكن، عندما يكون الفاعل صديقك وحليفك، لن تستطيع أن تجزم بحقيقة ما يحدث. لن تستطيع أن تعرف السر وراء عدم ارتياحك أثناء وجوده جوارك على الرغم مِن أنه مِن المُفترض أن يكون الشخص الذي تجد الراحة معه. لن تستطيع أن تجزم السر وراء عدم رغبتك في الحديث عن أحلامك وخططك المستقبلية أثناء وجوده، لأنك تدرك بعقلك الباطن أنه قد يستخف بك ويقلل مِن شأنك وشأن أحلامك. لن تستطيع أن تجزم السبب وراء شعورك بحملاً ثقيلاً عند مُكالمته، لأنك تعلم أنه قد يقول شيئاً يترك جرحاً دميماً في نفسك.
وأحياناُ، تستطيع أن تجزم بكل تلك الأسباب وتعيها جيداُ، ولكنك تُفضل تجاهلها. وبالتالي، تبحث عن تعريفاً آخر لكل تلك الأفعال والكلمات، وتقنع نفسك أن ما يفعله هو بالطبع مِن أجل مصلحتك ونابع مِن خوفه عليك.
قد يرفض عقلك التصديق أنك ضحية للتنمر في علاقاتك مع حلفائك. ولكن للأسف، من الممكن أن يكون حليفك هو نفسه من يقوم بالتنمر ضدك ….. ومن الممكن أن تكون أنت المتنمر بالنسبة له.
ولذلك، بعدد صفحات هذا العدد، نناقش شتّى أنواع التنمر.
في المقال الأول، نبدأ بمقارنة بين التنمر في المدارس الحكومية والمدارس الخاصة. ولكن تريثوا، التنمر يُعتبَر بارزاً في الإثنين.انها يختلف في كيفيته و آليات ردود الفعل عليه. يضم هذا المقال التنمر بين الطلاب، وتنمر المدرس على التلميذ.
ننتقل إلى نوع التنمر الأكثر تعقيداً، أو ما أُطلِق عليه «التنمر المبرر» ، وهُنا نناقش التنمر الوارد مِن أقرب المُقربين إلينا، مثل الآباء أو شريك الحياة وما إلى ذلك.
نطلق على هذا القسم بأكمله «التنمر المبرر» لأن المتنمرين في هذه الحالة لا يدركون أن أفعالهم تُعد تنمراً، ويعتقدون ببساطة، أن أفعالهم ما هي إلا بعض التعليمات لهذا الشخص كي يُحسن مِن نفسه، أو للمحافظة على علاقتهم والتحسين منها.
ولكن في أغلب الأحيان، هم لا يحافظن على العلاقة، بل بالعكس، إنهم يقللون مِن شأن هذا الشخص ويسيئون معاملته.
وما يجعل هذا النوع مِن التنمر معقداً، أنه لا يمكن تحديده أو التحكم به وإيقافه.. لأن مَن ذا الذي يترك أو يتخلى عن أهله أو شريك حياته بسهولة؟ ماذا لو بدأت أن تقتنع بما يقولونه لك والتفكير به؟ وماذا لو اعترفت لهم أن ما يفعلونه أو يقولونه يجرحك ويهينك بشكل مِن الأشكال، هل سيكفون عنه؟…يطرح المقال كل هذه الأسئلة.
يناقش المقال المتعلق بالتنمر بين الأزواج أو المرتبطين الأسباب الكامنة وراء كون طرف واحد في العلاقة أكثر مرونة مِن الطرف الآخر.
هذان المقالان يناقشان التأثير الواقع على المدى البعيد للتنمر مِن الأهل أو مِن شريك الحياة.
أما القسم الثالث، فإنه يناقش التنمر المبني على الإختلافات، وهو عن كل ما يتعلق بالتنمر على الأشخاص المختلفين..
يعكس المتنمر انعدام ثقته بنفسه على شخص آخر. عندما يشعر مثلاً بالغباء، ينتظر أن تقول شيئاً حتى يعتبره غبياً.. وعندما يشعر أنه لَم يقوم يشيئاً ناجحاً في حياته، سيجعلك تشعر أنك عديم الفائدة..
إحدى المشاكل المتعلقة بالتنمر المبني على الإختلافات أن المتنمر يقلل مِن شأن فريسته بسبب تحليها ببعض الاختلافات أياً كانت، فقط لشعوره أنه مُهدد نوعاً مِن ما قد يجلبه هذا الإختلاف..
وللأسف، الاعتراف بوجود طرفاً آخر على حق واحترام ذلك يُعتبر أمراً شاقاً على الكثير مِنّا.
الإختلافات التي يعرضها هذا القسم مبنية على الطبقات الإجتماعية، العِرق، القدرات الخاصة، الإعاقة، النوع، والبلوغ المبكر.
بالإضافة إلى ذلك، يوجد محيط آخر ينتج عنه التنمر وهو التنمر في أماكن العمل. في هذا القسم، نُناقِش الأٍسباب والأشكال المختلفة مِن التنمر داخل هذا المحيط.
يلقي هذا القسم ضوءاً على المشكلات التي يواجهها خريجي الجامعة الأمريكية، حيث ذكر بعض الخريحين أنهم يواجهون التنمر فقط لكونهم كانوا طلاب جامعة الأمريكية.
بالنسبة إلى المحيطات التي يُمارَس بها التنمر، مجال الرياضة يُعَد أحدهم.
يُعامَل الرياضيون بقسوة سواء مِن المدربين، أو الرياضيين الآخرين أو حتى في غرف تغيير الملابس، ومُبرر هذه القسوة أنها حافز كي يحسنون مِن أدائهم. وبالتالي، يترك الضحية مجال الرياضة بأكمله بسبب عدم قدرته على التحمل.. أو إن لَم يتركه، فإنه يظل يعاني بقية حياته نفسياً وجسدياً.
مجال السياسة أيضاً لا يمكن التغاضي عنه حينما نتحدث عن التنمر، في المقال المتعلق بهذا المجال تُسائل مؤسسة الأمم المتحدة بسبب اعتبارها أداة للتنمر بين الدول.
يطرح هذا المقال بعض الأمثلة التي طرحتها الأمم المتحدة أمام قوى عظمى، حينما انتهك القانون الدولي وتنمر على الدول الأقل نسبياً والدول النامية.
يمتلك مجال صناعة الأفلام نصيبه مِن التنمر أيضاً، على الشاشة وخلفها بالطبع. يناقش هذا القسم المصاعب التي تواجه الممثلات طوال مشوارهم الفني حتى يحظينّ بفرصة الظهور على الشاشة، مثل التنمر مِن قِبَل المخرجين، مصممي الأزياء أو حتى المعجبين.
يناقش المقال الثاني في هذا القسم أثر وسائل الإعلام في خلق صورة نمطية عن المزاح الواقع على الأشخاص الزائدي الوزن كأنه شيء طبيعي ومعتاد، غير مهتمين بنفسية الشخص الذي يُسخَر مِنه.
بالنسبة إلى وسائل التواصل الإجتماعي، فإنها ساعدت على جعل ذلك الأثر أسرع وأكثر. لذلك، نناقش في هذا القسم التنمر عبر وسائل التواصل الإجتماعي، الذي يحدث في صور مختلفة مثل الابتزاز، إنتحال الشخصيات أو التحرش.
ومِن هُنا، ننتقل إلى الجانب الآخر، وهي وجهة نظر المُتنمِر، تتدخل في المعاناة الداخلية لدى المتنمر مِن ندم، عدوانية، عقليته وما إلى ذلك.
يُقدم العدد أيضاً مقال يربط بين التنمر والإرهاب، حيث توجد إمكانية للمتنمرين والضحايا أن ينضموا إلى القوى الإرهابية نظراً لهشاشتهم وضعفهم الذاتي والنفسي.
وننهي كل ذلك بمقال عن الجهود المبذولة لمحاربة التنمر وتعزيز الوعي بآثاره.
إلقاء الضوء على هذه القضية بكل معاييرها يُعد أمراً في غاية الأهمية، أخذاً في الإعتبار العوامل المؤدية للتنمر وأسبابه، لأن عندما نستطيع فهم ذلك فقط، نملك القوة في محاربته والسيطرة عليه.