المخاطرة بمشاعر الناس أمراً لا يحتمل المزاح
إرتفع صوت ضحكاتهم الصاخبة حينما سخروا منها مازحين…هُم أصدقاء منذ الطفولة، ويعتقدون أن الحدود تُخلَق فقط عند التعامل مع الغرباء.
يُعتبر شعرها، وزنها، حجم أنفها، طريقتها في التحدث والمشي… سخرية منها وحديثاً مُسلياً بالنسبة إليهم، كنوع من أنواع المزاح.
ومع ذلك، فهي تحاول أن تجبر ابتسامة خافتة وتشاركهم مزاحهم، محاولة أن تقنع نفسها أنها فقط مزحة ولا داعي للحساسية المفرطة..
لم يلحظ أحد معانتها التي أجادت إخفائها، إلا حينما تتلّقى مكالمة منها لتسألك عن إن كنت تعتقد إن مزاحهم جاداً أم لا.
ولكنك لا تستطيع تذكر المزحة مِن الأساس لأن بالنسبة إليك، هي تُمثل ثوانٍ معدودة مِن الضحك.. أما بالنسبة إليها، فهي تُمثل عمراً مِن التفكير الزائد والثقة بالنفس المهزوزة.
هذا السيناريو هو سيناريو واقعي، شاهدته مع العديد مِن أصدقائي الذين عانوا مِن نفس الأمر العديد مِن المرات، فقط ليدركوا أنهم لم يستطيعوا أن يكفوا عن التفكير في الكلمات الجارحة التي من المفترض أن تكون مزاحا.
لا يمكنني التغاضي عن حقيقة أنني نفسي أسترجع في الكثير مِن الأحيان التعليقات التي مِن المفترض أن تكون مضحكة، دون فهم السبب وراء مضايقتي منها.
ولكن كيف لهم ألا يضايقوننا؟ كيف لهم ألّا يلتصقون بنا في حين أنهم يبرزون انعدام ثقتنا بأنفسنا الذي ظننا أننا وحدنا مَن نلاحظها؟ كيف لنا ألّا نفكر بهم كلما شعرنا بالإحباط؟.. على الرغم مِن عدم وضوح ذلك في لحظتها ولكن الانزعاج هو رد الفعل الطبيعي الوحيد.
تُعد الحالات السابق ذكرها تنمراً واضحاً جلياً، على الرغم مِن صعوبة تعريفه. ولكنه يحدث حينما يفعل شخصاً ما فعلاً معيناً يؤدي إلى عدم راحة شخصاً آخر عن قصد وبشكل متكرر.
يكتشف الضحية إنعدام راحته وسط دائرته المقربة ولكنه لا يدرك حقيقة الأمر ولا يستطيع عقله تقبل أن ذلك يُعد تنمراً.
وفي هذه الحالة، يُعد المزاح المتكرر والتعليقات السخيفة مصدر عدم راحة وضغط نفسي لهذا الشخص.
في هذه الأيام، يسخر مجموعة مِن الأصدقاء مِن بعضهم البعض فقط في سبيل المزاح. ولكن، المزاح الطبيعي بين الأصدقاءشيء والتنمر شيئاً آخر.
حينما يسخر أحد أفراد المجموعة مِن نقطة ضعف فرداً آخر، فهذا بالطبع يتعدى حدود المزاح بكثير..
لا يتعلق هذا بانعدام الحس الفكاهي لدى البعض، فمضايقتهم بشكل متكرر بالطبع ناتجة عن التنمر.
تزعجني حقيقة سخرية بعض الأصدقاء مِن نقطة ضعف الآخرين، بل ويطلقون لقباً عليهم أيضاً.. يُعد الآن أمراً طبيعياً وشائعاً أن نجد لقبا معينا مثلا على شخصاً زائد الوزن.
ولكني أعي أن بعض الأشخاص لا يجدون مشكلة في مناداة أصدقائهم بشتى الألقاب المهينة والمؤلمة، خاصة إن لم يعترضوا هم على تلك الألقاب.
ولكن سماحهم لأصدقائهم بإستخدام تلك الألقاب الساخرة لا يعني عدم انزعاجهم منها، لأنه حتى ولو أرادوا الإعتراض، يُعتبر ذلك الان أمراً خارج عن المألوف.
حتى وإن ظن الضحية أن الأمر لا يزعجه أو إن إدّعى كذلك، فإن استخدام نقاط ضعف الأشخاص كوسيلة مزاح هو أمر غير مقبول ومنهور تماماً.
يوجد عامل مؤثر آخر على جعل هذا النوع مِن التنمر مؤلماً وجارحاً، وهو أن هذا النوع مِن المزاح يحمل نسبة مِن الحقيقة.. حيث يقلق الضحية مِن الأساس مِن نقاط ضعفه ويفكر بهم مليّا قبل وجود شخصاً آخر مُستخدم تلك النقاط ضده.
أصبحت ثقافة خلق المزحة مِن كل شيء مؤلمة إلى عدد أكبر مِن الأشخاص كل يوم.
قد تعاني الضحية التي لا تدرك أنها قد تكون عرضة للتنمر مِن قبل الأصدقاء، مِن ألماً مستمراً
فإن المخاطرة بمشاعر الأشخاص أمراً لا يحتمل المزاح.