أين السلام الذي يحتفل به رؤساء العالم؟ مئة عام من الدم
١١-١١-٢٠١٨
تاريخ ذو أهمية للملايين من الناس, فهذا اليوم يشهد مرور مئة عام على نهاية الحرب العالمية الأولى.
اجتمع رؤساء العالم مثل الرئيس الأمريكي دونالد ترمب, الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون, والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل, والرئيس الروسي فلاديمير بوتين, والرئيس التركي رجب طيب أردوغان, لاظهار الاحترام والامتنان لشهداء الحرب العالمية الأولى الذين ضحوا بأنفسهم من أجل» ترسيخ السلام».
لسخرية القدر, في نفس ذلك اليوم أثارت عملية اسرائيلية بغزة المناوشات على الحدود, أدت إلى مقتل سبعة مقاتلين فلسطينيين وجندي اسرائيلي.
فقتلت النيران الإسرائيلية العشرات من الفلسطينيين, نبذة قصيرة عما يضطر الفلسطينيون مواجهته يوميا.
تلك الحرب المستمرة لا تشمل فقط الفلسطينيين, بل العراقيون واليمنيون والسوريون والصوماليين … وباقي شعوب الشرق الأوسط.
المنطقة التي طالما أغفلها رؤساء العالم في دعواتهم للسلام. اليوم أو من مئة عام, لم يتغير شئ…
بالنسبة لهم, يمثل هذا اليوم احتفالا بانتصارات جنودهم في الحرب. تلك الانتصارات نفسها التي مهدت الطريق لتطبيق اتفاقية سايكس بيكوت السرية بين بريطانيا وفرنسا لتقسيم بقايا الدولة العثمانية بينهم.
السلام بالنسبة إليهم كان عبارة عن المساومة والتجارة بمناطق لم تكن ملكهم من الأساس, ورسم الحدود العشوائية ليحصلوا على أكبر قدر ممكن من موارد المناطق التي أعادوا تعريفها.
تلك الحسابات الطائشة والاعتبارات القائمة على المصالح هي التي جعلت منطقة بأكملها تنزف منذ مئة عام حتى يومنا هذا.
فالمصالح العشوائية ووعود الحرب هي التي أنتجت قضايا مزمنة ومدمرة مثل مأساة القضية الفلسطينية.
كانت بريطانيا تريد هزيمة الألمان وحلفائهم من الدولة العثمانية لتستولي على أكبر قدر ممكن من المستعمرات مهما كان الثمن. بالتالي, وعدوا الفرنسيون بمنحهم بعض تلك المستعمرات, واستغلوا الحركات الوطنية ليضمنوا الفوز بالحرب.
ولسوء الحظ, كانت الحركة الصهيونية أحد تلك الحركات التي حاولت بريطانيا استخدامها لصالحها. فكانت الحركة السياسية التي هدفت إلى توحيد يهود أوروبا المضطهدين بدولة يهودية واحدة.
سواء اتفقنا على تأثير دعم بريطانيا لليهود ووعد بلفورعلى دخول أمريكا الحرب, لا نستطيع أن ننكر نوايا بريطانيا وراء ذلك الدعم.
لم تكن تلك الحركة الوطنية الوحيدة التي دعمتها بريطانيا أثناء الحرب, فاستخدمت حركة توحيد العرب ضد الدولة العثمانية, بقيادة شريف مكة حسين بن علي وابنه فيصل. وعد المفوض السامي البريطاني في مصر هنري مكماهون حسين وفيصل بالحصول على استقلالية العرب. ولكن اتضحت عدم أصحية تلك الوعود بعدما كشفت اتفاقية سايكس بيكوت السرية.
فكل تلك الوعود المتضاربة لم تكن إلا رهان أعلى وأضمن على هزيمة الألمان, ولكن للأسف عواقب ذلك الرهان أكبر بكثير من حجمه وقتها.
وكأن وعود الحروب المدمرة لم تكن كافية للتدمير مستقبل الشرق الأوسط لمئة عام بعدها, زاد البريطانيون والفرنسيون الوضع سوءا من خلال سياستهم المدمرة للحكم.
فكيف كانوا سيرسخون حكمهم و يستحوذون على موارد المستعمرات إلا من خلال سياسة فرق تسد المعتادة؟
فقسموا الدول بناء على ديانتهم فقط لكي يستخدموا الأقلية في حكوماتهم ويزيدون تسلطهم وتحكمهم. وتلك الاستراتيجية هي التي يعاني منها النظم السياسية في الشرق الأوسط حتى الآن.
تسببت اتفاقية سايكس بيكوت وتقسيم الشرق الأوسط أيضا في ظهور الايدولوجيات المتطرفة مثل داعش اليوم.
فماذا نتوقع حقا من أفراد لم يروا شيئا سوى بشاعة الاستعمار, وينادون باعادة الخلافة الاسلامية التي كانت تمثلها الدولة العثمانية التي دمرها الغرب؟ التطرف كلمة لا تفي الغرض حتى.
وبعد كل هذا, لا أفهم حقا نوع السلام الذي كان يحتفل به رؤساء العالم… فهل خريطتهم للاعتبارات الانسانية, كالعادة, لا تشمل الشرق الأوسط على الإطلاق؟
أعزائي رؤساء العالم, لا يوجد شئ نحتفل به بهذا اليوم إلا مئة عام من الدم والخزي والعار.