هل نحن مسيرون أم مجبرون؟
هل فكرت أبدا في ردة فعلك اذا صوب أحدهم مسدسا تجاه رأسك؟
تبدو الاجابة في منتهى السهولة, فأمامنا خيارين مختلفين وهما اما أن نقتل أو نفعل كل ما يأمر به من على الجانب الاخر من السلاح.
لم يكن ذلك رد فعل الشخصية الشهيرة بالمسلسل الأجنبي بدل (Suits) هارفي سبكتور.
«بامكانك أن تأخذ المسدس، تستخدم مسدسا أكبر، أو حتى خداع المهاجم, أو اتباع 146 خيارا اخر.»
بالطبع يبدو مبدأ هارفي مثالي للغاية، فمن يستطيع تمالك أعصابه والتفكير في الحلول المتاحة عند التعرض للضغط وخاصة ضغط السلاح؟
استخدم هارفي مجاز المسدس لتوضيح ضرورة عدم استسلام الناس للخيارات الأسهل تحت الضغط فقط لأنهم لم يفكروا في طريقا اخر.
دائمة ما اعتدنا على التفكير في الأمور على هيئة خيارات محددة, فنصنف الأمور اما بيضاء أو سوداء, مع أو ضد، نحن وهم، والعديد من التصنيفات التي يخلقها المجتمع لتعريف الناس.
بالتالي، لا نعلم لماذا تختفي الأمور الرمادية التي تتوسط كلا المواقف المتطرفة. ولماذا نضطر الي متابعة ما يتبعه الاخرين حتى عن عدم اقتناع؟
يظهر ذلك بوضوح في مجتمعاتنا التي تشجع التابعين الجيدين الذين يحافظون على استقرار النظام، بدلا من هؤلاء الذين يتحدونه بأفكارهم الجديدة المبهمة.
كما انعكس ذلك على المحادثات الدارجة عن السياسة المصرية، فتصبح أما من المحذورين أو مع الحكام. لا وسط بينهم.
فعندما تعترف أنك تدعم أو تكره كلاهما، تلاقى بنظرات اتهام أنك بالتأكيد تنحاز الي أية منهما.
نجد ذلك أيضا عندما نشهد الشعوب اما تعظم وتخلق الملوك من الحكماء أو تهاجم النظام كله بشدة. فنادرا ما نجد الموضوعية في الحكم على النظام بالعودة الي الايجابيات والمساوئ.
بالرغم من ذلك, وجود صياغة «مع أو ضد» في السياسة شئ ليس بغريب على السياسين حيث أنها أسهل طريقة لجمع الناس حولهم.
لكن اتباع طريقة «هذا ما وجدنا عليه أباؤنا» في جميع المجالات والحالات الاخرى ليست منطقية.
فمثلا، نسمع دائمة شكوى حديثي التخرج عن عدم رضاهم عن مجالاتهم المختلفة، فنشعر بالاحباط عندما نجد كل الخيارات الماحة غير مشبعة لطموحاتنا.
ولكن من قال أنه يجب أن نتقبل هذا الشعور؟ لا يجب أن يتحول الأمر الي خيارين فقط: اما أن يقوموا باتباع ما لا يرضيهم أو التخلي عن مجالهم تماما. لماذا لا نؤسس نحن الحل الاوسط ويتبعنا الناس لاحقا؟
ان الخوف من التهميش باحدى الجهتين المتطرفة هي سبب فعالية ضغط المجتمع على الفرد حيث لا يريد أحدا أن يشعر بعدم الانتماء في وسط مجتمعاتهم الصغيرة.
ولا يجب أن يشعروا بذلك فقط لاختلاف أفكارهم. فلست مجبرا على اتباع ما يتبع اذا لم تقتنع به. فمهما كانت حالتك, لا بد من وجود مخرج.
ولكن لن يظهر ذلك المخرج بمعجزة الأهية, فلا بد من السعي لايجاده بدلا من استغلال غيابه لتبرير عدم اهتمامنا وعدم بذلنا المجهود الكافي.
أتفهم أن ايجاد 146 اختيارا مختلفا شيئا غير واقعيا عند الضغط, ولكن دائما ما نستطيع مماطلة المهاجم والتخلص منه مؤقتا والعودة للقتال عندما نستطيع.
من يعلم, من الممكن أن نؤسس المخرج الذي طالما احتاجه العديدون.