فيلم يوم الدين: نظرة مجتمعية جديدة لمرضى الجذام
في إطار اجتماعي غير تقليدي، يُقدَّم مرض الجذام في فيلم روائي ليشارك في الدورة الثانية مِن مهرجان الجونة السينمائي ومهرجان كان العالمي. و يحكي الفيلم قصة شخص تعافى مِن الجذام ولكنه مازال يعاني مِن نظرة الناس إليه.
عُرِض يوم الدين لأول مرة في محافظة المنيا في ٢٣ مِن سبتمبر لهذا العام، وذلك لأنها مسقط رأس البطل راضي جمال الذي قام بدور «بشاي».
الجذام هو عدوى مزمنة تنجم عن البكتيريا الفطرية الجذامية، وتكون أعراضه عدم شعور المريض بأطرافه حتى تسقط أو يتغير شكلها. وحين يشفى مِنه لا تختفي تلك الأعراض، لذلك يظل المتعافي منه يعاني مِن أثار ذلك طوال عمره.
اعتمد مخرج الفيلم، أبو بكر شوقي، في اختيار الأبطال الذين يتصدرون معظم المشاهد على راضي جمال والطفل أحمد عبد الحفيظ وهما في الأساس ليس ممثلين سينمائيين، وتُعد هذه تجربتهم الأولى في السينما.
كان يمكن أن يختار المخرج شوقي وطاقم العمل ممثلين لهم سابق معرفة بالمجال الفني حتى يضمنوا نجاح الفيلم، ولكنهم فضَّلوا اختيار شخصية راضي جمال لتقوم بدور بشاي.
عانى البطل سابقًا مِن مرض الجذام ولكن أثره باقٍ عليه، لذلك نجد أن معاناته الحقيقية شبيهة بمعاناة بشاي، لكن إن وقع الاختيار على بطل سينمائي، ما كان لمس قلوب المشاهدين كما فعل جمال.
تدور أحداث هذا الفيلم حول حياة بشاي. وهو رجل في العقد الرابع من عمره، ويُعاني طيلة حياته مِن التشوهات الجسمانية على الرغم مِن أنه شٌفي تمامًا مِن الجذام.
والجدير بالذكر أيضًا هو وجود الحس الفُكاهي في الفيلم، على الرغم مِن قصته الإنسانية الدرامية، ولكن تحلّى كلٌّ مِن جمال والطفل عبد الحفيظ بمزيج مِن الفكاهة وقدرة حقيقية من التأثير على المشاهد كأنه واحد مِنهم.
وكان لذلك دور في عدم شعور المشاهد بالملل أو بالحزن والاستسلام، بوجود بعض اللحظات السعيدة والبسيطة دون أي تكلُّف.
لا يشرح الفيلم طبيعة مرض الجذام شرحًا تفصيليًّا، ولكنه يوضح حجم المعاناة والعنصرية التي يتعرض لها مريض الجذام مِن فقدان الأهل والوحدة والتنمر الذي يواجهه.
يعيش بشاي في مستعمرة حيث تركه والده بها منذ الصغر، ولم يغادرها يومًا إلا بعد أن توفيت زوجته، فأراد أن يبحث عن أهله وعن ذاته وانتمائه الحقيقي، ويغادر برفقة طفل نوبي يتيم يسمى أوباما لم يود مفارقته.
لا يربط الطفل أوباما وبشاي أية علاقة أسرية، خاصَّة أن أوباما يقطن في دار أيتام، وبشاي يُعد صديقه ووالده على الرغم مِن اختلافهم العقائدي. ولم يود مفارقته لأنه لا يعلم أنه لا أحد سواه يعطف عليه.
ويقومان معًا باكتشاف العالم لأول مرة، تكون هذه المرة الأولى التي يتعرض لها رجل أربعيني للعالم الخارجي، ليُصدَم بالعالم الذي ينفر منه بسبب وجهه وهيئته.
وعلى الرغم مِن كَمّ السلبية التي يتعرض لها بشاي، فإن الطفل أوباما يكون مصدر ثقته ودعمه الوحيد. كما يوضح العلاقة القوية بينهما وبين حمار بشاي «حربي».
صورت هذه العلاقة الإنسانية بينهما وبين الحمار إمكانية أن تنشأ علاقة قوية بين الإنسان والحيوان حتى يشعر بعضهم ببعض أو يتعايشوا مع نفس المعاناة سويًّا؛ لتسمو على علاقة الإنسان مع إنسانٍ غيره، يتكلم نفس لغته ولكنه لا يفهمه ولا يهوّن عليه الصعاب.
السخرية والتنمر الذي يتعرض له بشاي خارج المستعمرة لم يتعرض لها، لأن كلَّ مَن عرفَهُ هناك كان يعاني مِن مرضٍ ما، ولذلك كان يلقي عليهم كل صباح التحية قائلًا: «صباح الخير يا عيّانين». ولكنه على صعيدٍ آخر، فوجئ بالطريقة التي يراه بها الأشخاص الأصحَّاء الذين لا يفهمون كنية مرض الجذام.
يُلقي الفيلم ضوءًا على أهمية التوعية بمرض الجذام لكونه لا يعدي مَن يلمس صاحبه أو الشخص الذي تعافى مِنه، ولا يمس للجرب والأمراض الجلدية بصلة. هذا الفهم الخاطئ لمرض الجذام كان واضحًا بشدة في الفيلم مِن قِبَل أشخاص متعلمين أو غير متعلمين. لذلك، فإن هذا الفيلم يرفع ويعزز مِن الوعي بمرض الجذام.
قامت الموسيقى التصويرية للفيلم بدور كبير في تجسيد كل ما عانى مِنه بشاي.
قالت إحدى الحاضرات، يمنى أبو زيد، ٢٢، «رغم حجم الألم الموجود في الفيلم، إلا أن الموسيقى التصويرية كانت معبرة جدًّا و جعلتني أشعر بشيء مِن الأمل».
أضافت أبو زيد أن الأماكن التي صُوِّرَ بها الفيلم راقت لها، وذلك لاحتوائها على مناظر طبيعية.
قالت ياسمين محمد، ٢١، «شعرت أن بعض المشاهد غير مُبررة وخاصةً النهاية، أرى أنها حالمة بعض الشيء ولا تلمس الواقع».
وأضافت محمد أنها أعجبت بالحوار السلس وبالجمل التعبيرية، والرسالة الهادفة مِن الفيلم التي تتلخص في الجملة التي قالها أحد الممثلين، «إحنا عايشين على أمل إن يوم الدين نكون كلنا سواسية».
قام بتصوير الفيلم المصور الأرجنتيني فيدريكو كاسا. وقام بالموسيقى التصويرية الموسيقار عمر فاضل.
وفاز الفيلم في الدورة الثانية مِن مهرجان الجونة السينمائي بجائزة أفضل فيلم عربي روائي طويل، والتي تتضمن الحصول على عشرين ألف دولار أمريكي.
قامت لجنة اختيار الأفلام المصرية المرشحة للأوسكار، المكونة مِن ٣٨ عضوًا مِن أبرز السينمائيين، باختيار فيلم يوم الدين ليمثل مصر للجائزة الأهم على المستوى العالمي، وذلك لحصوله على أعلى نسبة تصويت.
بالإضافة إلى ذلك، فهذا الفيلم يُعدثاني عمل مصري يشارك في الدورة ٧١ لمهرجان كان السينمائي، وذلك بعد فيلم «بعد الموقعة» للمخرج يسري نصر الله الذي شارك في المهرجان عام ٢٠١٢. فمشاركة يوم الدين في مهرجان كان السينمائي يُعد أول عرض عالمي له.
كما نافس أيضًا على جائزة السعفة الذهبية، وحصل على جائزة فرانسوا شاليه ‹Francois Chalais›.
فيلم يوم الدين هو فيلم غير تقليدي، يحمل رسالة إنسانية هادفة ويُعد الفيلم الأول مِن نوعه الذي يطرح قضية مرض الجذام في السينما المصرية، ويناقِش قضايا عدة كالحب، الإخلاص والوفاء