40 عام على كامب ديفيد وما زالت الآراء حول الإتفاقية متضاربة
حلّت علينا الذكرى الأربعين على اتفاقية كامب ديفيد وكثرت الأقاويل واختلفت الآراء، ويظل السؤال الذي لا يزال إجابته لغزًا للباحث السياسى عند محاولته التوصل إلى حكم موضوعى، فيما يختص بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد عما اذا كانت خطوة أرض الوطن، جمهورية مصر العربية، في أشد الحاجة إليها، أم كانت صريحة العمالة والتطبيع.
الجدير بالذكر أن منتدى الجامعة الأمريكية قد عقد محاضرة عن الاتفاقية بمناسبة مرور 40 عاما على توقيعها.
عقدت اتفاقية كامب ديفيد بين رئيس جمهورية مصر العربية الراحل محمد أنور السادات ورئيس وزراء اسرائيل السادس مناحيم بيغن، تحت إشراف الرئيس الأمريكى السابق جيمى كارتر، بعد مفاوضات استمرت 12 يوما فى منتجع كامب ديفيد الرئاسي بولاية ميريلاند بالولايات المتحدة.
أشعلت اتفاقية كامب ديفيد نيران غضب واحباط وردود فعل شديدة المعارضة فى مصر والكثير من الدول العربية وتردد السؤال: هل عقد الاتفاقية دليل قاطع على اللا وطنية والخيانة العظمي من جهة السادات؟
قد يعطي البعض رأيهم دون إبداء أسباب كاملة لتلك الآراء، و قد يغيب عن البعض إبداء آراء من الأساس بسبب جهلهم بالاتفاقية.
وفقًا الى دراسة استقصائية شارك فيها 50 طالباً بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، اتضح أن 35% منهم ليسوا على أى علم بتلك المفاوضات، بينما الذين يعلمون عنها، هم على قدر كبير من تفاصيل المعاهدة.
تحدث أستاذ العلوم السياسية والتاريخ في الجامعة الأمريكية، أشرف الشريف عن العالم السياسي هنرى كيسنجر، وزير خارجية الولايات المتحدة السابق، الذي أفاد أن السادات كان يقدم تنازلات «مجانية.»
عند التحدث عن فكرة العمالة واللا وطنية، تحدث الشريف عن أغلب الأنظمة العربية بشكل عام ليس فقط كامب ديفيد من ناحية خدمة أنظمة لا تهدف إلى الإهتمام بمصالح الوطن، انما بمصالح شخصية، مالية، واستبدادية مرتبطة بعلاقات تابعة للقوة العظمى. و يعتبر الشريف هذا الحكم صالحاً على نظام السادات بشكل عام، ولم تكن كامب ديفيد الدليل الوحيد على هذا.
ومع ذلك، كانت الاتفاقية بالنسبة للشريف منطقية من ناحية قضاء مصر أغلب سنوات الصراع العربى الإسرائيلى فى السلام مع إسرائيل.
كانت الإتفاقية في رأي الشريف منطقية من المنظور المنفعي، فكانت التسوية مع إسرائيل مطلب من مطالب النظام الاقتصادي القائم على فكرة إنفتاح الأسواق والرأسمالية وكان يلبى هذا مصالح نخب الحكم.
وأضاف الشريف أن إنهاء حالة الحرب بالنسبة لنخب الحكم كانت تعني إنهاء الإنفاق عليها، بالإضافة إلى إنهاء مناخ التقشف، ولذلك كانت منفعة اقتصادية وتجارية على العموم. ولكن، قال الشريف، «كانت الإتفاقية منطقية من منظور كان أكثر تصالحا مع التطبيع مع نظام الغرب الدولى والقوة التابعة، اسرائيل.»
بشكل آخر، كانت ضرورية وحتمية ومنطقية من وجهة نظر الدولة والقائمين عليها، لكن على الجانب الأخر، هل كانت حتمية من وجهة نظر مصلحة القضية الوطنية؟ بالنسبة للشريف، الاجابة لا.
بالنسبة للشريف، كانت المنفعة الوحيدة من الاتفاقية استرداد سيناء، ولكنه أعرب أننا أستعدنا سيناء ومنزوعة السلاح، ومنزوعة السيادة، ومنزوعة الرعاية، ومنزوعة حق اهلها بالشعور بالوطنية.
أضاف الشريف أن الصلح المنفرد مع إسرائيل غلق أبواب الصراع المسلح معها، مؤديا الى تجمد القضية الفلسطينية والسورية وانعدام إمكانية الحرب ضد اسرائيل.
وأضاف أن الخسائر لم تتوقف هنا، فأيضا جمدت عضوية مصر من جامعة الدول العربية وخرجت مصر من الصف العربى بشكل عام من 1979 حتى 1989 مما أدى الى اختلال في التوازنات العربية، حتى عند رجوعها للساحة العربية، عادت من موقف بعيد البعد عن مما كانت فيه، موقع متزين، موقع تابع، غير مفيد بالمرة.
من خسائر التطبيع من وجهة نظر الشريف أيضا افتتاح باب شرعية العلاقات الودية بين اسرائيل والعرب اقتصاديا وثقافيا، فأصبح في مصر ما قد يسمى «الحزب الصهيونى» الذى يتضح وجوده اقتصاديا، وظاهرة الاتجاه الثقافى المعارض للقضية الفلسطينية و احتكار واعتقاء مصر من القضية الفلسطينية.
وفقا لمذكرات من شاركوا بالاتفاقيات، كان هناك إصرار شديد من السادات على المساواة، مقدما تنازلات اكثر من المقابل، وعلى الرغم من معارضة فريقه له، كان السادات الى حد كبير دكتاتوريًا فى قراراته، دون الرجوع إلى مستشاريه، مما أدى إلى استقالة اثنين من رؤساء الخارجية… و دور البرلمان و الشعب؟ منعدم.
قال الشريف، «لو كان فى مفاوض أكثر صرامة ووطنية وذكاء، كان من الممكن الوصول لإتفاقية بشروط أفضل.
من ناحية اخرى، خالفه الرأى أستاذ بقسم الاتصالات والتسويق بكلية إعلام، هشام دنانه، أن القرارات التى اتخذها السادات كانت فى محلها فى ذلك الوقت، «ومازلت على اقتناع أن السادات فعل اللازم.»
دنانه على اقتناع تام ان من يظن أن السادات باع القضية، فشلوا فى رؤية موقف مصر فى ذلك الوقت من منظور واسع، وأن أزمة هذه القرارات أنها معقدة للغاية ومتعددة الأبعاد. قال دنانه، «كامب ديفيد لها أبعاد سياسية، اقتصادية، واجتماعية.»
وافقه الرأي طالب الماجستير بكلية العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة سيف هندى، وقال، «لم يكن لتحصل الاتفاقية على دعم داخلي لو كان تم التعبير عنه بشكل علني.»
أضاف هندي أنه من حيث المصالح المصرية، كانت الاتفاقية كارثة كاملة حيث سمحت بتأسيس الأعتماد المصرى على المساعدات الأمريكية وبالتالي تخلي مصر عن أى استقلالية سياسية.
وقال هندي، «ومن وجهة نظر فلسطينية، كان استبعاد أي مشارك فلسطينى فى المفاوضات فى حد ذاته أمرًا مدمرًا.»
قد ينظر البعض للقضية من منظور المناصرين للقومية العربية بشكل عام، وموقف مصر كأكبر دولة عربية ومسؤولياتها التي تلى، وفى حين أخر قد ينظر البعض لها من وجهة نظر المصالح الشخصية لمصر و أن السياده المصريه هى الأولوية القصوى، وأن اختلافات ومطالب الدول المجاورة يجب أن تأتي فيما بعد.