المسكنات الخيرية المؤقتة ليست بهذا السوء
تحت ظل شجرة من الأشجار بمنتصف المدينة, كان ينام بسلام. بدون حراس، أو مؤامرات مخططة، أو قصور فخمة، كان خليفة الدولة الإسلامية عمر بن الخطاب، يستمتع بنومه تحت احدى الأشجار بقلب مملكتة وسط شعبه.
بالرغم من قوته ونفوذه, تفاجأ أحد الزائرين عندما دله الناس على بيت عمر بن الخطاب لبجده بيتا متواضعا ويجد صاحبه نائما تحت أحد الأشجار الطبيعية.
حينها قيلت المقولة الشهيرة، « حكمت، فعدلت، فأمنت، فنمت يا عمر.»
كانت دائما ما تبهرني تلك القصة منذ أن كنت طفلة. فكيف يستطيع حاكم ما ضمان العدل للجميع لدرجة عدم خوفة من النوم بدون حراسة من الأعداء الذين يمكنهم قتله عند منامه؟
من الممكن أن يناقش البعض عدم امكانية وجود نظام مشابه في يومنا الحالي، ولكن هذا ليس ما أحاول إثباته.
بل أحاول استخدام أكثر العصور المعروفة بالعدالة الاجتماعية تاريخيا، لأثبت أن حتى في ذلك الوقت، لم يتخلى الناس عن الأعمال الخيرية.
منذ مده قريبه، ناقشت مجموعة ليست قليلة من الناس على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ضرورة استبدال الأعمال الخيرية بمشاريع تنموية طويلة المدى.
فدعوا الي استبدال ملاجئ الناس الذين ليس لديهم مأوى بمشاريع إسكان متاحة للجميع, والعيادات للحالات الطارئة بنظم العلاج بالمجان أو بالتأمينات، والتطوع بتعليم الأكثر احتياجا بنظام تعليم أفضل، وغيرها من الاستبدالات.
فيرى هؤلاء الناس أن تلك الأعمال الخيرية مسكنات مؤقتة وحلول سطحية لتجنب المشكلة الأساسية وهي مواجهة عدم المساواة والحاجة إلى إصلاح النظام الغير عادل.
لا أختلف معهم على أن بالفعل هذا الاحتياج الشديد للأعمال الخيرية يعكس غياب العدالة الاجتماعية ويحث على الحاجة الشديدة الي الإصلاح الاجتماعي.
ولكن هذا لا يجعل المساهمات الخيرية أقل أهمية على الإطلاق. بل بالنسبة لي، اسلوب الخطاب هنا يثير العديد من المشكلات.
فعندما نشير أصابع الاتهام إلى النظم الغير عادلة ونرمي العبء كله على الحكومة، نخلي مسؤولية الناس الطبيعية من احساسهم بالواجب تجاه الأكثر احتياجا بأي طريقة ممكنة.
والناس في وقتنا الراهن لا ينقصهم تبلد، فسيستغلوا تلك الكلمات لإعفاء نفسهم من تحمل المسؤولية أو المساهمة بأي أعمال خيرية لأن في النهاية، «هذه مشكلة الحكومة، ليست مشكلتنا نحن.»
أنا لا أحاول الدفاع عن موقف الحكومة نهائيا أيضا. فمن الواضح جدا أن فجوة الفقر حاليا بجميع أنحاء العالم غير طبيعية وغير عادلة. وبالتأكيد تعد منتجا للنظم الغير صحيحة.
ولكن حتى بأكثر النظم عدلا مثل أيام عمر بن الخطاب، لا يمكننا إغفال دور الأعمال الخيرية بالمجتمع.
مهما حاول أية نظام تضييق الفجوة بين الغني والفقير، سيظل هناك شخص يمتلك أكثر. فسيكون لدينا دائما طبقات اجتماعية مختلفة، يعتمد فيها الأكثر احتياجا والأقل احتياجا على بعضهم البعض.
ما أعنيه الطبقات الاجتماعية المختلفة هو تواجد طبقات طبيعية انسانية، يكون لدي الأقل حظا الاحتياجات الأساسية، وليس الفجوات المبالغ فيها التي نشهدها في عصرنا هذا.
فهذه طبيعة العالم المترابط الذي نعيش فيه وهذا ما يجعل للحياة معنى. يحمل الأكثر حظا عبء هذا الامتياز ويستخدمونه لمساعدة الأقل حظا.
وهذه المساهمات ليست ناتجه عن طيبة قلوب الأكثر حظا ولا خدمة يتطوعون بها، بل هو واجب يمليه عليهم امتيازهم ومكانتهم.
فمن المفترض أن يجعل امتلاك العديد من الممتلكات والمال والنفوذ الحياة أكثر صعوبة لأنه يجعلك أكثر مسؤولية.
كما أن نظم الحكم الحالية تجعل الحلم بنظم الرعاية الاجتماعية الصحيحة شيئا يصعب تحقيقه وشبه مستحيلا حيث تستند تلك الأنظمة على استغلال من هم أسفل المثلث الاجتماعي, ليحصلوا على المزيد من أجل مصالحهم.
لذلك, انتظار تلك النظم لإصلاح الحال لا فائدة منه. وحتى تأتي هذه اللحظة, استبدال الأعمال الخيرية بالإصلاحات الاجتماعية يحرم الناس الأقل حظا من منفذ خلاصهم الوحيد حاليا.
ففي النهاية, المسكنات المؤقتة ليست بهذا السوء.