تراب الماس: رواية تنتقل إلى السينما وتثير الجدل
«وإن رأيت من يذنب، فعقابه كوب من الشاي» من هذا المنطلق يبني الكاتب أحمد مراد أحداث روايته، تراب الماس، لتُحول إلى فيلم سينمائي بعد مرور 8 أعوام من إصدارها.
يتلقى المُشاهد الأحداث الأولى من الفيلم بهدوء وارتياح فيشهد حياة طه الزهار اليومية. يعيش طه الزهار، والذي يلعب دوره الفنان آسر ياسين، حياة عادية. فالشاب المثالي يعمل بصيدلية ويسكن مع والده المقعد وعمته.
يحب طه العزف على الة الدرامز وتبقى حياته روتينية إلى حد كبير وتخلو من أحداث تذكر حتى يصل لليوم الذي يتعرف طه فيه على سر «تراب الماس»، ذلك السر الذي غير مسار حياته.
رغم لعب آسر ياسين لدور البطولة، إلا أن أحد الممثلين الذين برزوا بشكل ملحوظ في الفيلم هو الممثل محمد ممدوح. فشخصية ممدوح، والتي سميت بالسرفيس، لم تتطلب كلامًا أو حوارًا كبيرًا حتى منتصف العرض، لكن ممدوح أجادها بحركة متقنة وتعبيرات وجه سليمة أضافت روح الإثارة على الفيلم بسهولة.
يشعر المشاهد طوال النصف الأول من العرض أنه أمام عمل فني ضخم. الاختيار المثالي للممثلين والمؤثرات الصوتية والتنقل بين أحداث الحاضر والماضي في سلاسة كانوا كافيين لإرضاء الجمهور. اضافة إلى ذلك٬ محور القصة الشيق وغير اعتيادية تفاصيلها مما يجعل المشاهد متشوق لمتابعة الأحداث وغير قادر على توقع أي منها. إلا أن ذلك الإحساس لم يدم طوال الفيلم حيث يبدأ المشاهد في الشعور بالملل بدءًا من النصف الأخر للفيلم وتبطئ مسار الأحداث فتخلو من الإثارة التي وجدت في أول القصة.
تتمحور القصة بشكل أساسي حول مبدأ محاسبة الناس ومعاقبتهم على أخطائهم، الشئ الذي تعجب منه طه و لام الأب عليه لكنه شرع في ارتكابه هو الأخر بعد فترة وجيزة. تستمر الأحداث لتثبت أن أفعال المرء قابلة للتغيير بشكل كبير. فتلك الأشياء التي رفضناها يومًا وتعجبنا منها، أثبت لنا الوقت امكانية ارتكابها بل والتمادى فيها.
محاولة مراد لخلق قصة جديدة وغير مألوفة جعلت الأمر غريبًا على المتلقي. وسط أحداث الفيلم يفكر المشاهد في المبدأ الذي بُنيت القصة على أساسه وهو محاسبة الناس والانتقام منهم فيجعل الُمشاهد في حيرة ويتساءل ما إذا كانوا يستحقون العقاب أم لا.
على الرغم من وجود تلك الحبكة في الفيلم إلا أنها اتضحت بشكل أكبر في الرواية وجعلت حيرة القارئ أكبر. على الصعيد الأخر، لم ينجح الفيلم في تسليط الضوء على عائلة برجاس، العدو الأساسي للبطل، وتنفير المشاهد منها أو كرهها مما جعل الأمر سهلًا على المُشاهد وهو الاستنكار من فعلة البطل والتعاطف مع عائلة برجاس وعدم الشعور بأنها تستحق العقاب. ذلك الاختلاف أخف من وطأة الحبكة الدرامية الموجودة في الرواية وأطفأ من حرارة أحداث الفيلم.
من الشخصيات التي أثارت جدلًا في العرض السينمائي كانت شخصية هاني برجاس. تصوير الشذوذ الجنسي في الفيلم لم يكن أمرًا معتادًا للمتفرج خاصة بسبب الجرأة في بعض المشاهد المتعلقة بالأمر ذاته مما تعجب منه البعض واستنكروا صراحة وجرأة تلك المشاهد.
رغم وجود ثغرات في العرض إلا أن من أهم مفاجآت الفيلم التي يجب ذكرها هو دور العقيد وليد سلطان الذي أتقنه بمهارة ماجد الكدواني. وليد سلطان هو المثال القوي للضابط الفاسد والذي لعبه الكدواني بإتقان حتى يسهل على المشاهد كرهه والتصدي له قبل معرفة أي شئ عن فساده وأعماله. بسهولة، يتوقع المُشاهد أن الكدواني هو عدوه الأول في صالة العرض وأنه الشخص الشرير الذي يجب الحذر منه.
حاول مروان حامد، مخرج العرض، إنتاج فيلمًا متكاملًا يحتوى على أداء تمثيلي جيد، قصة محبوكة بشدة، رومانسية بين الأبطال، انفعالات مختلفة ومشاهد تصويرية تبهر المتفرج . محاولة حامد لدمج تلك العناصر جميعها جعلت مدة عرض الفيلم تقارب الساعتين والنصف وهو تحدي كبير للفت انتباه المشاهد في كل دقيقة من دقائق العرض المئة والخمسين.
تحويل الرواية إلى فيلم أجبرت حامد على إضافة تغييرات كثيرة على الرواية، الشئ الذي قد لا يلاحظه المُشاهد لكنه بالتأكيد يحبط القارئ ويحطم سقف التوقعات الذي بني على أساسه قرار دخوله الفيلم.
اختلفت شخصية سارة التي لعبتها منة شلبي عن الكتاب فبدلًا من كونها صحفية في الرواية تصبح منتجة برنامج معروف يذيعه المقدم المشهور شريف مراد والذي قام بدوره إياد نصار لتظهر شخصية شريف مراد كشخصية جديدة غابت عن أحداث الرواية. تضيف شخصية مراد الكثير على أحداث الفيلم فتجعل مبادئ وفكر مختلفة تظهر مثل دور الإعلام ونفاق الأشخاص.
لا ينكر أن الإخراج الكلي للعرض على مستوى عالٍ من الاحترافية في الأداء والإخراج إلا أنه ترك المشاهد في حيرة ومفاجأة بسبب أحداث وتسلسل القصة.
يُذكر أن انتشرت فكرة تحويل الروايات إلى أفلام مؤخرًا في مصر وأثبتت نجاحها في الآونة الأخيرة خاصة بعد فيلمي الفيل الأزرق لأحمد مراد وهيبتا لمحمد صادق. كان نجاح الفيلمين قائمًا على مقابلة توقعات القراء وإضافة نكهة مختلفة للفيلم بينما يثير إعجاب المشاهدين في الوقت ذاته، وهذا ما لم ينجح تراب الماس في تقديمه. فالفيلم محبط لقراء الرواية ومختلف للمتفرجين.