العادات والتقاليد المصرية وراء ظلم النساء في حق الميراث
تقرير: حنين فنديل
حق المرأة في الميراث يعد من أكثر المواضيع الجدلية في المجتمع المصري و يصعب علي الكثير من الأسر المساواة بين الرجل والمرأة فيه. في الآونة الأخيرة انتشرت هذه الدعوة ، ولكن وفقًا لكثير من الشيوخ المصريين ، منطق المساواة بين الرجل والمرأة يظلم المرأة في جميع الأحيان حيث يتصادم مع الأحكام التشريعية في مختلف الأديان.
حددت الشريعة الإسلامية كثيرًا من القواعد التي تنصف المرأة في المجتمع المصري حيث يقسم الميراث بين الرجل والأنثى على أربعة أنواع وجميعها يؤيد حقوق المرأة. تحكم فلسفة الميراث الإسلامي ثلاثة معايير أساسية أولها: درجات القرابة بين الوارث إذا كان ذكرًا أو أنثى وبين المُوَرَّث المتوفَّى، فكُلَّما اقتربت الصلة زاد النصيب في الميراث، وكُلَّما ابتعدت الصلة قَلَّ النصيب في الميراث، أيًّا كان جنس الوارثين.
وفقًا لدار الإفتاء المصرية يقوم الرجال بالمجتمع المصري بتطبيق الشريعة الإسلامية في مجال الميراث بطريقة خاطئة تمامًا، فكثيرًا ما يمنع الرجل إخوته من الميراث لعدة أسباب، منها أنها لن تقدر على التحكم في الأموال أو بسبب ظنه أنه سيكون المعيل للعائلة.
طبقًا لمنظمة المرأة العالمية ، أكدت الإحصائيات أن نسبة النساء المعيلات في مصر تبلغ ٣٧ في المئة. وهؤلاء النساء ينفقن على أنفسهن وينفقن على أسرهن، أى لا يعتمدن على الرجل (الزوج أو الأخ أو الأب). ومعظم تلك النساء يعملن فى القطاع غير الرسمى ويتعرضن لأنواع شتى من الاستغلال، كما يعملن لأكثر من 16 ساعة فى اليوم دون التمتع بأي حماية قانونية أو تأمينات أو تعويضات، ويعانين من نقص الفرص فى سوق العمل.
يعد صعيد مصر أكثر الأماكن التي يعاني نساؤها من الحرمان من الميراث كلًّيًّا، فأثبت المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية أن 95 في المئة من السيدات محرومات من الميراث فى صعيد مصر، وأن هناك آلاف من جرائم القتل التي ترتكب سنويًّا بسبب الطمع فى إرث النساء.
قال أحمد صبري، دكتور الشريعة بجامعة الأزهر، «الميراث قصة جدلية جدًّا في المجتمع المصري ويفهمها كل شخص على ما يحب وهذا ما ينشر الشائعات الخاطئة دئمًا ويضعف موقف المرأة تمامًا. الآية المتعارف عليها في سورة النساء في الكتاب الكريم «للذكر مثل حظ الأنثيين» تطبق في حالة وحدة فقط، ولكن مع الأسف يطبقها الكثير من الرجال دون الرجوع إلى أي من الشيوخ المصرية للتأكد من صحة تصرفاتهم».
وأضاف صبري أن الميراث في الشريعة الإسلامية هو أكثر شيء يحفظ للمرأة حقها ويقدسها، لأنه إذا نفذ على الطريقة الصحيحة ستأخذ المرأة مثل الرجل أو أكثر منه أو ستأخذ هي ولن يأخذ الرجل.
في أول حالة تأخذ نصف نصيب الرجل، كالبنت مع أخيها الذكر، و الأم مع الأب مع عدم وجود الأولاد أو الزوج أو الزوجة، ترث المرأة نصف الرجل لأن الأم لها الثلث ، وللأب الباقي وهو الثلثان.
في الحالة الثانية تأخذ مثل الرجل، كالأم مع الأب في حال وجود الابن ، وللأم السدس ، وللأب السدس ، والباقي للابن . وكالأخ والأخت لأم، فإنهما يرثان بالتساوي؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ( النساء / ١٢.
في الحالة الثالثة تأخذ أكثر من الرجل، ، الزوج مع ابنتيه ، فله الربع ، ولهما الثلثان ، أي لكل واحدة منهما الثلث. الزوج مع ابنته الوحيدة، فله الربع ، ولها النصف، ويرد الربع الباقي لها أيضًا .
في الحالة الأخيرة ترث ولا يرث ، كما لو ماتت امرأة وتركت : زوجًا وأبًا وأمًّا وبنتًا وبنت ابن ، فإن بنت الابن ترث السدس ، فى حين لو أن المرأة تركت ابن ابن بدلًا من بنت الابن لكان نصيبه صفرًا؛ لأنه كان سيأخذ الباقي، ولكن لا باقي .
قالت السيدة ن.أ، إحدى سيدات محافظة المنوفية، والتي واجهت مشاكل مع أشقائها في توزيع التركة، «نحن عشر أخوات بنات ولدينا خمس أخوات رجال وترك لنا ولدنا عدة أراضٍ تساوي ملايين الجنيهات وقمنا بالاتفاق على أن نأخذ حقنا واحتياجاتنا على مدار السنين مع أن هذا لا يوافق القانون ولكن أردنا تفادي المشاكل مع أشقائنا ولكن مع مرور الزمن زادت احتياجاتنا وبدأنا نطلب الميراث كاملًا و طبعًا لم نتلق أي موافقة منهم».
أكملت السيدة ن.أ بأنهم ظلوا في هذه الخلافات لعدة سنوات يلجأ للقضاء المصري محافظةً على العادات والتقاليد التي تربوا عليها مع أن هذه التقاليد تتعارض مع أخذ حقوقهم الشرعية.
إن الديانة المسيحية أيضًا ذكرت تقديس حق المرأة وتحفظه بحيث أن المرأة المسيحية ترث مثل الرجل دون أي اختلاف.
قال ألفريد أصيل، مدير شركة مينا ريل للمواصلات العامة: «تتعرض السيدة المسيحية إلى ظلم كبير في المجتمع المصري وخصوصًا في الصعيد والأرياف، لأن الشريعة المسيحية تنص على قسمة الإرث بين الرجل والأنثى ولكن إذا وُجِدَ خلاف بينهم يلجأون إلى القضاء المصري الذي يحكم بالشريعة الإسلامية في مثل هذه القضايا».
وأكد خبراء القانون ضرورة صدور قانون مدني موحد يطبق على كل مواطن يحمل الجنسية المصرية سواء كان مسلمًا أو مسيحيًّا، ومعاقبة من يستولي على ميراث الأنثى و لا ينفذ أيًّا من هذه القوانين في مصر.
أبدت عزة هيكل،عميد كلية اللغة والإعلام بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا و عضو المجلس القومي للمرأة و الناشطة المصرية، غضبها في حوارها مع جريدة المصري اليوم عن حقوق المرأة وتعمد حرمانها من حقها الشرعي في الميراث. وأضافت أن القانون الذى ينص على تسليم الميراث فى خلال عام مجرد كلام لا ينفذ، حيث أن هناك قضايا تخص الميراث بالمحاكم منذ أكثر من عشر سنوات.
وعبرت «هيكل» عن آمالها فى تفعيل القوانين الخاصة بتسليم الميراث لحفظ الحقوق المدنية والدينية والاجتماعية، ورفع الظلم الشديد الواقع على الفتيات، خاصة أن هناك بنات قاصرات يتيمات بحاجة لتلك الأموال.
قال صبحي مبارك، محامي وأستاذ قانون، إن أغلب القضايا التي تخص السيدات اللاتي اخترن الصمت بدلُامن الدخول في منازعات مع أشقائهم، وينتظرن علي أمل أن يأخذن بعضًا من الميراث الذي هو فى الأصل حقهن ولكن لا يحدث هذا أبدًا وبعدها يضطررن إلى اللجوء إلى المحاكم والقضايا على أمل أن تأتي لهن المحاكم بحلول جذرية تضمن لهن حقوقهن.
وفي أغلب الحالات لا تنجح محاولات السيدات في استرداد حقوقهن من الميراث إلا نادرًا ويعرف وقتها باسم «الترضية» وما يزيد الموقف سوءًا هو أن حجب الميراث في حالات عديدة يكون السبب فيها الأب حيث يقوم بتسجيل كل ما يملكه باسم أبنائه الذكور قبل وفاته وحتى زوجته لا تنال شيئًا من التركة بعد وفاة الزوج.
وأوضح صبري أن معظم حالات حجب الميراث تكون بسبب الطمع وحب النفس وأن مجتمعنا ذكوري لا يهتم بحق المرأة موضحُا أن ثقافة ظلم النساء أصبحت عادة موروثة بين الأجيال و تحتاج إلى أعوام كثيرة كي تتغير.