«.الطيور التي تولد فـي القفص، سرعان ما تهجره عند أول فرصة تتاح لها»
كنت أتصفح بعض المنشورات على موقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك كالعادة حتى لفت نطري منشورا يقول «الطيور التي تولد في القفص، تعتقد أن الحرية جريمة.»
وقفت لوهلة لأفكر فى محتوى تلك الجملة التي لا أعارضها كليا، لكنني فكرت في الموقف بطريقه اخرى. فمن الممكن أن يعتقد الإنسان أن أي نوع من أنواع الحرية يعد جريمة، ولكن ما يمنعه من فعل ما يحلو له هو فقط باب القفص.
لذلك شعرت براحة أكثر عندما حولت الجملة الى، «الطيور التي تولد فى القفص، سرعان ما تهجره عند أول فرصة تتاح لها.»
فالطائر المحبوس إذا لم يكن مقتنع بسبب وجوده فى القفص، من السهل جدا ان ينجذب إلى الخارج إذا ترك الباب مفتوحا بالخطأ. على عكس الطائر الذي تعود على الباب مواربا ويعلم جيدا سبب وجوده بالقفص ويؤمن به. فذلك النوع مهما أتته المغريات، سيبقى أخلاصة للقفص.
ولا أعنى بالقفص التخلف أو انعدام التفكير، بل أشير إليه كالمبادئ والقواعد التي يرسمها الفرد لنفسه.
حسبت أنني انتهيت من التأمل في الجملة حتى خطر لي أنها تلخص حال المجتمع المصري فى بضع كلمات.
فإذا أمعنت النظر، ستجد النسبة الأكبر من الشعب يدافع عن معتقدات ساذجة بدون اقتناع، وضعها بعبع العيب وينسبها خطأ إلى الدين. أو حتى يناقش قضية بالفعل حرام دينيا ولكن يشير إليها من ناحية العادات والعيب أكثر.
فعلى سبيل المثال، تنقلب المصادر الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي رأسا على عقب اذا لم تعجبهم ملابس فلانه فيكفرونها ويتهمونها بتضليل المجتمع، مع أنه على الجانب الآخر ولسخرية القدر، ذلك المجتمع نفسه هو من المجتمعات الأكثر نسبة في مشاهدة الأفلام الإباحية.
كيف نفسر هذا بدون إرجاعه إلى باب القفص المغلق بالضبة والمفتاح؟ فعندما وجد المصريون طريقهم إلى خارجه، أصبحوا أسوأ من كل هؤلاء الذين طالما عاشوا بدون قفص.
ليس هذا فقط، بل أصبح يشجع مجتمعنا من دون وعي، سياسة غلق القفص وقمع حريات الآخرين من دون أن يواجهوا صلب المشكلة وهو الاقتناع.
فمن السهل جدا تذكر أناس من حياتنا قد عانوا من ظاهره القفص المغلق، هؤلاء الذين أجبرتهم أسرهم على طريقة محددة للعيش والتفكير، معتقدين أنهم يحمونهم من شرور العالم. ولكن للأسف، حين تتاح لهم فرصة الهروب، لا يترددون. ويعانون من الجوع المفرط للحرية، وبالتالي يسيئون فهمها ويتخلون عن أية مبادئ تربوا عليها لأنها تذكرهم بذلك القفص.
مع أن حل تلك المشكلة أبسط بكثير من البداية، فإذا قامت تلك الأسر بمنح أولادهم الخيارات المختلفة مع توضيح الفرق بين الصواب والخطأ وعواقبه، ستستمر قناعاتهم بخياراتهم.
وعلى صعيد أكبر، كان قمع الحريات دائما قضية خطيرة فى المجتمعات المختلفة على مر التاريخ، فأدى إلى العديد من الكوارث الوخيمة، مثل تأسس الكيان الصهيوني بسبب قهر اليهود، وكانت قهر العراقيون سبب في تكوين الفكر المتشدد.
ومع هذا كله، أنا لا أشجع التخلص من القفص نهائيا، فلا بد أن يكون لكل شخص مبادئه ومعتقداته التي تكون بينه وبين نفسه وعن اقتناعه الشخصي، والتي يجب أن يدرك المجتمع شخصيه هذه المعتقدات ومسؤولية هؤلاء الأشخاص وحدهم عنه.
لذلك، إن لزم، الأصوب هو الإقناع بالحجة والمنطق مع ترك الباب مواربا.