مرضى متلازمة داون وموقفهم في العمل بالسوق المصري
تقرير رانيا يحيى
أصبح سوق العمل في مصر الآن أكثر مرونة في استيعاب ذوي الاحتياجات الخاصة بصفة عامة وخاصة مصابي متلازمة داون، ولكن هناك بعض العقبات التي لازالت تواجه الحكومة المصرية وأصحاب الأعمال حتى تتاح مزيد من الفرص لذوي الإحتياجات الخاصة عامة ومرضى داون بشكل خاص.
قام فريق عمل القافلة بمقابلة أعضاء مركز الدعم بالجامعة الألمانية لرعاية ذوي الإحتياجات الخاصة، والتي تقوم بمساعدة مرضى متلازمة داون على العمل في السوق المصري، وذلك من خلال الإعداد النفسي لهم في فترة محددة ومن ثم منحهم فرص عمل داخل الحرم الجامعي وأخيراً إتاحة فرص عمل لهم في مؤسسات أخرى خارج الجامعة.
قال محمد عوض، المشرف العام على المركز، «أنا لا أظن أن هناك أي شئ يعيق أصحاب رأس المال ورجال الأعمال من توظيف مرضى متلازمة داون إلا إعاقة بعقولهم هم، فمن يتعامل مع هؤلاء الناس لا يرى منهم سوى العبقرية والتفوق، حيث أن أبرز سمات مرضى داون، هو تفوقهم في مجال معين، كالرسم والفن والذكاء الشديد وما إلى ذلك.»
وأوضح عوض أن من خلال الإيمان بقدرات هؤلاء الشباب، لدينا الآن أكثر من مئة شاب من مرضى متلازمة داون يعملون بالفعل داخل وخارج الحرم الجامعي. وقال، «من بين هؤلاء شاب يعمل على الكاشير في مطبعة الجامعة ويمكنه حسب النقود بطريقة تفوق الأصحاء وذلك بشهادة طلبة الجامعة، كما يوجد فتاة أخرى قمنا بتدريبها في المنظمة وتعمل الآن كمصورة فوتوغرافية.»
علاوة على ذلك، تعد الجامعة الألمانية هي الممول الوحيد لهذا المشروع، وتقوم بعمل تدريبات مستمرة على يد خبراء ألمان لتدريب المشرفين على كيفية التعامل مع مصابي داون.
أضاف أحمد محمد، أحد مدربي ذوي الإحتياجات الخاصة في المنظمة، «التعامل مع مصابي داون صعب وسهل في نفس الوقت، لأن كسب حبهم وثقتهم شئ صعب جدا، وذلك لأنهم يحبون الأشخاص الصادقين تماما في أفعالهم وأقوالهم، ولكن بمجرد إثبات ذلك لهم، يحظى الفرد بمحبة غير عادية.»
وأضاف محمد أن أغلب المجتمع المصري على جهل تام بالطريقة الصحيحة للتعامل مع مصابي داون خاصة وذوي الإحتياجات الخاصة بصفة عامة وقال، «يجب أن نعاملهم كما لو كانوا أصحاء ونبتعد تماما عن طريقة العطف والشفقة.»
تم تأسيس منظمة الجامعة الألمانية لرعاية ذوي الإحتياجات الخاصة في عام ٢٠٠٠ وتستوعب ذوي الاحتياجات الخاصة من كافة أنحاء مصر وذلك من خلال تعاقدها مع أربع مؤسسات أخرى أبرزهم مؤسسة «دنيا جديدة»، المعنية بعلاج وتأهيل المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة.
قامت في مصر العديد من حملات التوعية عن المعاقين وذوي الإحتياجات الخاصة، وأبرز تلك الحملات حملة «مع بعض بكرة أفضل» في عام ٢٠١٦، والتي هدفت إلى نشر الوعي المجتمعي في معاملة المعاقين وتغيير نظرة المجتمع لهم وذلك من خلال إقامة مهرجان رياضي وفني لذوي الاحتياجات الخاصة شاركوا في عدة رياضات وقاموا باستعراض مواهبهم الفنية وذلك بغرض تشجيعهم علي الإبداع وأخذ الموهوبين منهم للعمل في السوق المصري إن أمكن ذلك.
على النقيض الآخر، قامت حملة توعية في دول الخليج شعارها «العمل حق للجميع» وذلك في عام ٢٠١٦، بهدف إتاحة فرص عمل للمعاقين في كل البلدان العربية وليس الخليج فقط. قامت هذه الحملة برعاية مؤسسة «اخطبوط» السعودية والتي تعقد معرض سنوي لعرض جميع فرص العمل المتاحة سواء للأصحاء أو ذوي الاحتياجات الخاصة.
علاوة على ذلك، قام مجلس النواب في مصر بتقديم قانون جديد لصالح المعاقين للبرلمان، ويهدف هذا القانون إلى إزالة الحواجز وتسهيل وإتاحة الفرص للشخص ذي الإعاقة لتطوير قدراته وإمكانياته للحصول على حقوقه والنهوض بمسؤولياته ومشاركته فى التخطيط واتخاذ القرار فى شئونه واسهاماته فى تنمية المجتمع.
وعن ثقافة المجتمع المصري في معاملة ذوي الاحتياجات الخاصة والمعاقين، قال عماد فضلي، أخصائي الطب النفسي بجامعة عين شمس، «ثقافة المصريين في معاملة مصابي داون وغيرها من الإعاقات الذهنية شئ مخجل للغاية، الطريقة الأفضل للتعامل مع أي شخص مريض بمرض ذهني سواء كان داون أو غيره هي منحه الثقة في النفس والتصرف على أساس أنه شخص ناضج عاقل ومفكر لا ينقصه شئ.»
وأضاف فضلي، «وإذا تحدثنا من الجهة العلمية، فمصابي داون يمتازون بالقدرة على التركيز تفوق الشخص العادي، حيث أن الشخص الطبيعي يسهل تشتيت انتباهه، في حين أن مريض داون يمكنه أن يركز بنسبة تصل إلى ٨٠ في المائة ومن الصعب تشتيت انتباهه، لذلك لا أرى أي سبب مقنع يمنع الشركات والمؤسسات من منحهم فرص للعمل.»
نظرة المجتمع لذوي الاحتياجات الخاصة لها دور كبير في تشجيع أو إحباط المعاقين على العمل، حيث أن مصابي داون على وجه التحديد لا يمكنهم العمل في بيئة تبدو لهم مخيفة أو غير آمنة.
أضافت أحد مصابي متلازمة داون، رفضت الإفصاح عن اسمها، بما يلي، «على الرغم من أنني أبلغ من العمر ٢٦ عاماً، إلا أنني لم أرغب بالعمل تماما، وذلك لأني أخاف من التعامل مع العالم الخارجي ولا أعرف إذا كنت سوف احبهم أم لا, أنا أحب أمي كثيرا وأخشى العمل بسبب الناس.»
متلازمة داون هو مرض ذهني ينتج عن تشوهات في الكروموسومات يصاب بها الأطفال منذ الولادة وينتج عنها تغيرات جسدية وذهنية. ومن أبرز ما يميز مرضى متلازمة داون من حيث سماتهم الجسدية، قصر القامة والوجه المفلطح والعيون المنسحبة إلى الأعلى، أما عن سماتهم الذهنية، يتراوح معدل مستوى ذكائهم، والذي يتم قياسه بناءا على عدة أسئلة في مختلف المجالات والمواد الدراسية، بين ٥٠ إلى ٧٠.
أما عن إحصائيات الإصابة بمتلازمة داون في مصر في عام ۲۰۱۰ ، فهي واحد من كل ٨٠٠ طفل يكون حامل لمرض داون، وذلك طبقا لمنظمة الصحة العالمية.