الأمراض النفسية في عيون السينما المصرية
تقرير ياسمين نبيل
تتضمن السينما المصرية منذ بدايتها على أفلام تعرض الكثير من الأمراض النفسية وتبرز المرضى النفسيين ولكن كثيرا ما يتم ذلك في إطار كوميدي أو صورة مغلوطة تساهم في تعزيز الصورة السلبية عن المرض النفسي في المجتمع المصري.
قالت علا مرسي، دكتورة علم النفس في الجامعة الأمريكية ومدير مكتب مساعدة ورفاهية الطالب (Student Well-being، «المجتمع نفسه يسخر من المرضى النفسيين ولكن عندما تظهر السينما ذلك أكثر وتعزز من تلك الصورة لإضحاك المشاهدين يتحول الموضوع إلى دائرة مغلقة من تلك الصورة السلبية المغلوطة عن المرض النفسي التي يجب علينا أن نكسرها.»
السينما المصرية خاصة في الماضي كثيرا ما ربطت بين المرض النفسي والجرائم أو السذاجة والكوميديا أو الجنون والخرف العقلي مما رسخ صورة سلبية عن المرض النفسي والمرضى النفسيين في كثير من الأذهان.
أضافت مرسي، «في الماضي، كانت صورة الأمراض النفسية في الأفلام المصرية كارثية، فقد كانت توصم المريض النفسي إلى حد كبير وتؤكد على فكرة أن من يذهب إلى طبيب نفسي مجنون أو مخبول أو أيا من تلك الكلمات التي لم نعد نستعملها الآن لأنها ليست علمية بأى شكل من الأشكال.»
الأمثلة على ذلك كثيرة، ومنها فيلم (اسماعيل يس في مستشفى المجانين) عام ١٩٥٨ والذي لم يخرج عن النمط المعتاد في تصوير المرضى النفسيين بالمجاذيب وكذلك فيلم (الستات ميعرفوش يكدبوا) بطولة شادية وشكري سرحان.
استمر ذلك أيضا في الستينيات حيث كانت الصورة التقليدية في السينما أن يقوم المريض النفسي بفعل أشياء غريبة بطريقة كوميدية وأن الأخصائي النفسي نفسه يقوم بفعل أشياء أكثر غرابة والذي ظهر من خلال أفلام مثل فيلم (مطاردة غرامية) بطولة فؤاد المهندس وإخراج (نجدي حافظ) الذي كان يقوم بدور طبيب نفسي يقوم بحركات بهلوانية وساذجة ليعزز من الصورة المغلوطة عن اضطراب الأخصائيين النفسيين.
ولكن يبقى هناك استثناءات حيث قدمت السينما المصرية القديمة أيضا عددا من الأفلام الجيدة التي قدمت محتوى دقيقا ومدروسا عن المرض النفسي.
قالت عرب لطفي، أستاذ قسم الفيلم في الجامعة الأمريكية، «بدأت الأفلام المصرية في إظهار البنية النفسية للشخصيات وتناول الأمراض النفسية في الخمسينات خاصة مع ظهور الأفلام التي تتناول القضايا الاجتماعية والإنسانية فأصبح هناك اتجاهاً لتبني القضايا الجدية، وكان أبرزها فيلم (باب الحديد) بطولة يوسف شاهين والذي أظهر بطل الفيلم المضطرب نفسيا بذكاء وكان ذلك بناء على دراسة حقيقية.»
كما أكدت على ذلك مرسي وقالت أن هناك استثناءات للأفلام القديمة السيئة وهما فيلمان من بطولة سعاد حسني (بئر الحرمان) و(أين عقلي) اللذان تم تنفيذهما في رأيها بطريقة احترافية وعلمية ومعتمدة على تحليل نفسي سليم.
فيلم بئر الحرمان كان يحكي قصة ناهد التي تعاني من ازدواج الشخصية (dissociative identity disorder) فهي شخصية محافظة بالنهار ثم تتحول نقيض ذلك بالليل.
أما فيلم (أين عقلي) من بطولة محمود ياسين، فكان يحكي قصة توفيق وهو زوج يصارع بين معتقداته الأوروبية التي تشجع على الحرية والتي اكتسبها عندما عاش هناك وبين نشأته المصرية المتحفظة.
كذلك السينما في الوقت الحديث وخاصة في الألفينات، فقد تنوعت أيضا ما بين الأفلام الدقيقة والأخرى المغلوطة غير المستندة على الحقائق الطبية.
أثنت مرسي على المسلسل الأخير لنيللي كريم وهو مسلسل (سقوط حر) وقالت أن كريم قامت بتجسيد مرض الجامود (Catatonia) بطريقة دقيقة جدا وبارعة ومطابقة تماما لما يظهر عليه أصحاب هذا المرض.
الجامود هي حالة تصاحب مرض الفصام (Schizophrenia) وتتمثل فى التصلب والتخشب وتشنجات فى العضلات مع اضطرابات في الوعي والإرادة.
كما أثنت أيضا على فيلم (اسف على الازعاج) بطولة أحمد حلمي، والذي أظهر مرض الشيزوفرنيا بطريقة جيدة جداً، حيث أوضحت أن الفيلم تم التحضير له كثيرا قبل التصوير وقام فريق العمل باستشارة كثير من الأطباء النفسيين.
على الناحية الأخرى، انتقدت مرسي مسلسل (حكاية حياة) بطولة غادة عبد الرازق وقالت، « كان كارثيا بكل المقاييس لأنه أظهر الأطباء والمستشفيات النفسية على أنهم فاسدون. كما أن المسلسل أعطى صورة سلبية جدا ومعلومات خاطئة عن العلاج بالصدمات الكهربائية (Electroconvulsive Therapy) بالرغم من أنه ينقذ حياة المرضى في كثير من الحالات النفسية.»
وكذلك فيلم (الفيل الأزرق) لم يكن موفقا في رأيها لأنه أدخل فكرة الجن على المرض النفسي.
وأضافت مرسي، «ثقافة المجتمع نفسها تخلط بين الدين والمرض النفسي فكثير من المرضى لا يلجأون للطبيب الا بعد فترة طويلة جدا من العلاج بالقرآن والشيوخ والقساوسة. ولذلك ينبغى على السينما أن تتجنب تلك المواضيع لأننا نحاول جاهدين أن نصحح تلك المفاهيم والاعتقادات الخاطئة عند الناس.»
كانت السينما والمسلسلات ولا زالت تؤثر بشكل كبير على المشاهدين وقناعاتهم، والتي قد تتأثر سلباً أو إيجاباً من خلال تلك الأفلام. نرى نتائج ذلك الأمر كثيرا وخاصة في الأفلام أو المسلسلات التي تعرض قضايا حساسة، مثل الإدمان، ولعل أبرز تلك المسلسلات الحديثة هو مسلسل (تحت السيطرة) من بطولة (نيللي كريم) والذي استحوذ على أعلى نسب مشاهدة.
قالت مرسي عن مسلسل( تحت السيطرة) بأن له مزايا وعيوب. الجانب الجيد هو أن الأشخاص الإندفاعيين أو الذين لديهم ميول أو استعداد لتعاطي المخدرات امتنعوا عن تجربة المخدرات بعد المسلسل ولكن الأشخاص الذين كانوا مدمنين بالفعل انتكسوا وعادوا لتعاطي المخدرات.
أوضحت مرسي، «المسلسل احتوى على مشاهد صريحة ومفصلة وكثيرة جدا الحقن والإبر وعملية التعاطي ونتيجة لذلك استقبلت المستشفيات في ذلك الوقت عددا كبيرا جدا من المنتكسين بعد هذا المسلسل.»
أما لطفي فقالت، «في الماضي كانت السينما لها تأثير على الناس أكثر من الوقت الحالي وذلك لأن العالم أصبح أكثر انفتاحا وأصبح هناك مصادر كثيرة للمعلومات والآراء وخاصة مع ظهور الإنترنت وإمكانية مشاهدة أي فيلم عالميا ولذلك أصبح الناس أكثر انتقادا لما يقدم إليهم وأحيانا كثيرا يرفضون الأفلام القديمة البلهاء عندما تعرض ويتجهون للمسلسلات العالمية.»
أكدت لطفي على أن المخرج مسؤول عندما يقدم أى شخصية أن يقوم بدراسة حقيقية للشخصية أيا كانت قصة الفيلم أو القضية التي يتناولها.