“تدهور التعليم وإنتشار “الأسطورة
تقرير مريم المنوفي
يؤثر الفن والأدب على الثقافة في مصر، فبالتالي على التعليم، خصوصاً الطلاب في المدارس، حيث ينعكس هذا التأثير على تصرفاتهم وأفعالهم المتداولة في هذا السن وعلى دراستهم.
وضح أحمد الباجوري، مخرج برنامج “ست الستات” للمرأة بقناة صدى البلد، أن التأثير السلبي من الفنون يرجع أثره في الأساس من التعليم وقال، “التعليم المصري في انحدار مما يؤثر سلبياً على رؤية المشاهد بسبب عدم وعيه ثقافياً لما يعرض على الشاشة، وخاصةً الطلاب بدءاً من الصف الأول الإعدادي حتى آخر سنين دراستهم بالجامعة، لأن في ذلك الوقت يتكون عندهم وعي لما يروا.”
فأساس ما يراه المشاهد على الشاشات و بإطار الفن هو التعليم، فبدون تعليم لا يوجد فن أو مسرح أو سينما.
قال مالك خوري، أستاذ بقسم الفيلم في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، “أهم شيء يجب أن يؤخذ بالاعتبار أن من أهم هذه الثقافات هي السينما التي تعتبر من أهم أقطار الثقافة الشعبية.”
وأضاف خوري أن السينما جزء من النظام التعليمي، وبطبيعة الحال تعبر عن واقع بكونها الإطار الأساسي لتكوين تفكير الناس وتعطي للطالب نوع من النظرة النقدية لواقع السينما.
وقد ربطت نظرية الغرس الثقافي (Cultivation Theory) فكرة تأثير هذا النوع السلبي من الفنون على المُشاهد على المدى الطويل، وتنص النظرية أن كلما يمضِ الناس وقت أكثر في مشاهدة التلفاز، كلما زادت مصداقيتهم لما يرون خلال الشاشة بغض النظر عن رؤيتهم الأساسية.
ويمكن أخذها من منظور الطلاب، فهم يتأثرون بالأشخاص الذين يلتقطون منهم “سقطات الأفلام” ويبدأون بتقليدها بشكل مستمر.
فقد نشرت صفحة على موقع التواصل الاجتماعي (Facebook) بعنوان “مستقبلك ملوش ملامح” مقطع لمجموعة من الأطفال لا يتخطون عمر الاثنى عشر، يمثلون جزء من مسلسل الأسطورة الذي عرض خلال شهر رمضان الماضي، حيث يمثل طفل أنه يقتل الآخر والبنات تصيح حين قتل الولد الذي يمثل دور بطل المسلسل.
وقالت مي بورهام، طالبة بقسم الإعلام بالجامعة وتخصص فرعي في فيلم بقسم التمثيل والفنون المرئية، “لقد كنت أتأثر كثيرا بما كنت أشاهده على شاشات التلفاز بداية من الرسوم المتحركة حينما كنت طفلة حتى مرحلة المراهقة وافلام الكوميديا والدراما وغيرها.”
كان والدي بورهام يعطوها المساحة الكافية لمشاهدة ما تريد عند مرحلة نضجها لتعي ما يحدث حولها، وكانوا يحددوا مشاهدتها للتلفزيون والسينما في سن صغير ولكن عن طريق النصيحة.
فيأتي دور أولياء أمور الطلبة من هذا المنطلق في تحديد ما يشاهده الأبناء، فقال الباجوري أن الرقابة على نوع الأفلام في السينما والتلفزيون من قبل الحكومة ليس بضرورة إرادة الأهالي وأسلوبهم في تربية أبنائهم.
وعلق على ذلك محمود اللوزي، أستاذ ومخرج بقسم المسرح في الجامعة الأمريكية، أن المشكلة تَكّمن بالطالب المصري وعدم رغبته في التعليم وقال، “الأولويات الرئيسية لأولياء أمور الطلبة عند التحاق أبنائهم في المدارس هو حصولهم على الدرجات الجيدة وليس فوائد التعليم.”
قالت نجوى مجاهد، أستاذ بقسم التعليم الدولي والمقارن في الجامعة ،”أن العلاقة بين السينما والمجتمع هي علاقة تبادلية، ولكن لا يمكن تحديد من أين بدأت لأنها مرتبطة بديناميكية المجتمع. “
أضاف خوري، “هناك أفلام بمراحل مختلفة طبعت على جيل كامل من المشاهدين، المشاهد يرى مصر من خلال الأفلام على مدار السنوات.”
فمثلاً مسرحية “مدرسة المشاغبين ” التي عرضت في ١٩٧٣، أضحكت الكثير ومازلت أقوالها تردد حتى الآن، ولكن في نفس الوقت أشعلت موجة تمثل المشاغبة بالفصول والتقليل من احترام المدرس الذي يعتبر بمثابة مثل أعلى لجميع الطلاب.
أكد الثلاثة خبراء، اللوزي والباجوري ومجاهد أن مسرحية مدرسة المشاغبين كانت إحدى بدايات التدني الثقافي والفني المؤثر بشكل كبير على العديد من الأجيال.
وقال اللوزي معلقاً على المسرحية، “كانت من أسباب التدهور في الجذور الفني وفتحت الباب على نوع المسرح الهزلي الذي نراه على مدار ٣٠ أو ٤٠ عاماً حتى الآن، فقد مات المسرح في بداية السبعينات، لأسباب سياسية.”
وضح اللوزي أن تلك الأسباب السياسية هي فترة الإنفتاح في السبعينات، حيث تبنت السلطات المصرية في ذلك الوقت سياسات جديدة تحت الرئيس السابق أنور السادات . وازدهرت حينها رؤوس الأموال الصغيرة والتجارات الخاصة وحدث حينها عِلو في طبقات المجتمع كان قد اختفى في الخمسينات. وأضاف ،”جاء وراء هذه الفترة القضاء على وعي الإنسان المصري.”
عكست المسرحية في ذلك الوقت صورة جديدة لعلاقة الطلاب ببعضهم وعلاقتهم بالمدرسين، فكانت صدمة لكثير من كبار السن حينها.
ولكن للأخذ في الاعتبار، ليست المسرحية أو الفن فقط وحدهم هم العوامل المؤثرة على تفكير الطلاب وتصرفاتهم.
فقال الباجوري أن مشكلة الثقافة تَكّمن عند الناس، وطباعهم وأذواقهم التي تغيرت فأصبحت الأفلام التي تتمحور فقط في سلبيات المجتمع وتتداول طبقة واحدة التي لا تظهر في الواقع، هي الأكثر شعبية وما يرغبها المشاهدون الآن.”
ولكن الطلبة الذين يدرسون السينما لهم عادةً نظرة أخرى نقدية عن ما يشاهدون في السينما، وأصبح هناك مؤخراً موجة عائمة على دراسة السينما، فقال خوري أنه على المستوى الجامعي، هناك نوع من التوجه عند الطلاب أن يدرسوا السينما خلال العشرين سنة الماضية.
وأضاف أن دراسة السينما عادة تخلق عند الطالب رؤية نقدية عند مشاهدته للأفلام ويصبح أكثر تدقيقاً في ملاحظة ما هو فن راقي وما هو هذلي ولا يمثل الثقافة المصرية.
فالنظرة النقدية تساعد الطالب على الاستقلالية في تحديد دور السينما والمسرح علـى المجتمع بتوجهاته الاجتماعية والاقتصادية والدينية والأخلاقية والسياسية.
قالت بورهام، “الغرض من الأفلام والمسرحيات التي تُعرض على شاشات التلفزيون هو إضحاك المشاهدين ونقل صورة صغيرة من الواقع.”
فهذه الأفلام تعتبر سلع تباع على حسب رغبة المشاهد، ولكن على الصعيد الآخر فهناك السينما أو المسرح أو الثقافة الهادفة بصفة عامة، التي تعرض للمشاهد رسالة محددة. ولكن من الجدير بالذكر أن الثقافة الفنية أثرت وسوف تظل تؤثر على المشاهد وعلى التعليم في مصر وعلى عقلية الطلاب كما أثرت على مدار أجيال مضت.