21 أبريل 2025, الأثنين

الزواج في هذا الزمان: حين يتحول الحلم إلى عبء

في كل مرة أجلس فيها مع أصدقائي المقبلين على الزواج، أجد أنفسنا نعود لنفس النقطة: لماذا أصبح الحلم الأبسط والأكثر طبيعية في الحياة، وهو تكوين أسرة، بهذا التعقيد؟ كيف تحوّلت فكرة الزواج، التي كانت تُعد فرحة العمر، إلى مشروع مرهق نفسيًا، وماديًا، وعاطفيًا؟

عقبات كثيرة تقف في طريق الشاب، تبدأ من خارج حدود بلده قبل أن تصل إلى داخل بيته. العالم يمر بعواصف سياسية واقتصادية لا تهدأ، وكل أزمة عالمية، في أي بقعة من الأرض، لها رجع صدى في حياتنا اليومية. الأسعار ترتفع كأنها في سباق مع الزمن، والعملة تفقد من قيمتها بينما تبقى الأجور مكانها كأنها نائمة في سبات عميق.

هل تتخيل أن شراء “شقة صغيرة” بات يحتاج لمعجزة؟ أن تجهيز “شبكة بسيطة” أصبح يتطلب قرضًا أو اثنين؟ أن الزواج صار قرارًا يحتاج إلى تخطيط مالي أشبه بتأسيس شركة؟

وهنا، لا نتحدث عن الرفاهية، بل عن الحد الأدنى من الاحتياجات. هذا الواقع يثقل كاهل الشاب، ويزرع في داخله شعورًا دائمًا بالقلق والتقصير، حتى قبل أن يبدأ.

لكن الكارثة الحقيقية ليست فقط في الاقتصاد، بل في المجتمع الذي ما زال يرفض التغيير. عادات وتقاليد من زمن مضى، تُفرض على شباب اليوم وكأنهم يعيشون في نفس الظروف التي عاشها أجدادنا. عائلات تُطالب الشاب بأن يقدم كل شيء، وأن يُثبت جدارته لا بحبه لابنتهم، ولا بأخلاقه، بل بما في محفظته.

فتجد الطلبات تنهال عليه: شقة تمليك، شبكة ذهب لا تقل عن كذا، جهاز كامل، فرح ضخم، مهر كبير… كل ذلك فقط لكيلا يُقال إن العروسة “قد ظلمت”! وكأن الزواج أصبح سباق مقارنة، وليس شراكة قائمة على الحب والتفاهم. وكأن قيم البنت تُقاس بعدد جرامات الذهب، وليس بطيب قلبها وعقلها الواعي.

والأسوأ، أن بعض الأسر، للأسف، تنظر إلى بناتها كأنهن “سلعة”، ويُعامل المهر كأنه ثمن يتم التفاوض عليه. فيُرهق الشاب بمبالغ خيالية، فقط لتشعر العائلة أنهم “باعوا بسعر كويس”! وهذه النظرة المؤذية لا تُرهق الشاب فقط، بل تظلم الفتاة نفسها، وتشوه صورة العلاقة التي من المفترض أن تُبنى على المودة والرحمة.

وهنا، يبرز عامل آخر لا يقل خطورة: الضغط المجتمعي وتدخل الناس في أدق تفاصيل الحياة.

لم يعد أحد يعيش حياته بهدوء. كل قرار، كل صورة، كل مناسبة أصبحت عرضة للتقييم والتعليق والنقد العلني، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي.

منذ لحظة إعلان الخطوبة تبدأ العبارات: “إيه ده الشبكة دي صغيرة أوي!”، “هما ليه عملوا كتب الكتاب في البيت؟”، “هو العريس مش جايب عربية؟”، “العروسة مش حلوة كفاية!”… إلى آخر هذا السيل من التدخلات السخيفة التي تُرهق النفس وتُطفئ الفرح.

السوشيال ميديا جعلت الزواج يبدو كأنه عرض مسرحي لا بد أن يُبهر الجميع، وإلا صار مادة للسخرية أو الشفقة أو المقارنة. لم يعد الأمر يخص الشاب والفتاة فقط، بل أصبح مشاعًا لعشرات العيون وآلاف التعليقات، وكأن حياتهم ليست ملكهم.

هذا النوع من الضغط يجعل الشاب يشعر أن عليه أن يُرضي الجميع، لا شريكته فقط. ويجعل الفتاة تشعر أنها مطالَبة بالكمال طوال الوقت، في المظهر، في الصور، في الأسلوب. وكلما حاول الطرفان الابتعاد عن المظاهر، يواجهان انتقادات المجتمع الذي لا يُعجبه شيء.

والحقيقة أن هذا النوع من التوتر لا يتوقف عند الزواج، بل يستمر بعده، ويُولد ضغطًا رهيبًا على الحياة الزوجية في بدايتها. أي خلاف بسيط قد يصبح “ترند”، وأي صورة بدون ابتسامة تُفتح عليها أبواب التأويلات والتحليلات.

في ظل كل هذا، ما زال البعض يسأل: “ليه الشباب مش بيتجوز؟”، بينما هم أنفسهم من جعلوا الزواج تجربة مليئة بالخوف والقلق والتكاليف الباهظة والعيون المتطفلة.

في النهاية، لا بد أن ندرك أن الزواج مشروع مشترك بين شخصين، لا استعراض اجتماعي ولا تحدٍ لإرضاء الناس.

النجاح الحقيقي للزواج لا يُقاس بعدد المعازيم في الفرح، ولا بحجم الشبكة، بل بالسكينة التي يشعر بها الطرفان وهما معًا خلف باب واحد.

فلنعد للزواج هيبته، ولنمنحه فرصته الحقيقية ليكون مبنيًا على الحب والدعم والمشاركة… لا على الهاشتاجات والفلترات والتقييمات الإلكترونية.