المعاناة الفلسطينية والقانون الدولي
ترجمة: بسنت شحاتة
صورة التقطها نهى نجيب
قد تبدو مناقشة الأحداث الجارية في فلسطين على أسس القانون والمنطق غير واقعية بالنظر إلى المعاناة الهائلة التي نشهدها، لكن يوفر القانون طريقًا ممكنًا لمقاومة الاحتلال.
في فعالية “غزة ٢٠٢٣: القانون الدولي والنضال الفلسطيني”، التي عُقدت في الثامن من نوفمبر، ناقشت اللجنة الإطار القانوني المحيط بفلسطين، ونقاط ضعفه، وأدواته الممكنة لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
يقول جيسون بيكيت، أستاذ القانون المساعد بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، “لا أريد أن أكون هنا. لا أريد أن أكون في هذه الغرفة. لا أريد أن أكون على هذه المنصة. إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، وحكومتي [بريطانيا] وحكومات أوروبا والولايات المتحدة وكندا تدعمهم. لا أريد تقديم تحليل قانوني. أريد الاحتجاج. أريد الصراخ. أريد أن أبكي”.
تحدث بيكيت عن صديقة من غزة انقطع التواصل بينها وبين عائلتها في غزة منذ أسبوعين. وأخوها أب لتوأم ذوي ستة أشهر، وزوجته حامل في شهرها الثامن.
قال بيكيت “وبحلول الوقت الذي تصبح فيه زوجة أخيها جاهزة للولادة، لن تكون هناك مستشفيات عاملة في غزة. ما يحدث في غزة هو إبادة جماعية، ولا توجد صعوبة في إثبات ذلك”.
حسب بيكيت، الإبادة الجماعية تحدث ضمن البشاعة التي هي دولة إسرائيل في حد ذاتها.
قال بيكيت “في السادس من أكتوبر ٢٠٢٣، كانت إسرائيل دولة فصل عنصري استعماري استيطاني، ولم يهتم القانون الدولي. وفي السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، أصبحت إسرائيل دولة فصل عنصري استعماري استيطاني تعرضت لهجوم من قبل السكان الأصليين”. وأكمل “في الثامن من أكتوبر ٢٠٢٣، أصبحت إسرائيل دولة فصل عنصري استعماري استيطاني، منخرطة بشكل علني في الإبادة الجماعية”.
يقول بيكيت إن الإبادة الجماعية تحدث في نظام اجتماعي استعماري استيطاني أوسع. وتتواجد إسرائيل في نظام اقتصادي يديره القانون الدولي. أضاف بيكيت “هذا هو النظام الدولي الذي يدعم وجود إسرائيل وأوروبا وكل دول العالم المتقدم. إذا كنت تريد أن تفهم قسوة القادة الأوروبيين والأمريكيين في الوقت الحالي، فانظر إلى العالم الذي أنشأه وأشرف عليه وستلاحظ أن هذه مجرد إبادة جماعية صغيرة جدًا تتكشف ضمن إبادة جماعية أخرى أكبر بكثير”.
الحدود الفلسطينية
قال هاني السيد، أستاذ مساعد بقسم القانون بالجامعة الأمريكية، إن أول شيء مهم يجب معرفته عند مناقشة غزة والضفة الغربية هو أن الأمر يتعلق في النهاية بالمساحة. ولذلك، تعتبر الخرائط نقطة انطلاق مهمة جدًا في هذه المناقشة.
قال سيد “يبلغ طول غزة ٤١ كيلومترًا وعرضها ١٠ كيلومترات، مما يعني أنه بحلول الوقت الذي تصل فيه إلى محل إيكيا في مول كايرو فيستيفال سيتي بالقاهرة الجديدة [من الجامعة الأمريكية بالقاهرة]، ستكون غزة قد انتهت. وبحلول الوقت الذي تصل فيه إلى منطقة المهندسين، ستكون غزة قد انتهت، هذه هي المساحة التي نتحدث عنها”.
يتم وضع مليوني شخص في تلك المساحة، ويتم قصف مليوني شخص في تلك المساحة، . ويعتقد سيد أن القانون الدولي له سمعة سيئة حاليًا، وأن مناقشة الحجج المبنية على التبرير والإدانة هو أمر غير لائق.
قال سيد “أدرك أن القانون الدولي متورط تاريخيًا وهيكليًا في شرعنة الاستعمار الاستيطاني عام ١٩٤٨، وفي تكريس نظام الفصل العنصري منذ عام ١٩٦٧، وفي إعادة إنتاج منطق القومية الإمبريالية”.
المُساءلة القانونية
مع تكشف الإبادة الجماعية في فلسطين، لجأ العالم إلى محكمة العدل الدولية والأمم المتحدة لاتخاذ إجراءات فورية. لكن الواقع هو أن تطبيق القوانين الدولية التي يفترض أنها عالمية ليس بهذه البساطة على الإطلاق.
أشار سيد إلى أن القانون الدولي غير محدد من الناحية الهيكلية، ولكل قاعدة استثناء. ولكل حجة هناك حجة مضادة.
أضاف سيد، “إذا قمنا بتحييد بعض الافتراضات حول ما نتوقعه من القانون والتركيز بشكل أقل على ما يجب أن يفعله القانون ومحاولة فهم ما يفعله القانون بالفعل وكيف يفعل القانون ذلك، فستكون هذه نقطة انطلاق مهمة”.
تحدثت نسرين بدوي، أستاذ مساعد بالقانون الدولي في قسم العلوم السياسية،عن الأدوات المحتملة التي قد تكون متاحة لنا، ولكنها قد تكون أيضًا مقيدة من حيث محاسبة إسرائيل على أفعالها.
قالت بدوي “إن القانون الدولي لا يحمي مرتكبي الجرائم من المساءلة، ولا يخلق آلية واضحة لمحاسبتهم، في واقع الأمر، فأن الأدوات اللازمة للقيام بالأمرين معًا راسخة في القانون الدولي”.
قالت إنه في حين أن الحق في تقرير المصير يُفهم تقليديًا على أنه حق للشعوب المستَعمرة بغض النظر عن استعدادها السياسي لإقامة الدولة، إلا أنه منذ الحرب الباردة، يمكن للمرء أن يلاحظ تحولاً في فهم هذا الحق على أنه سيادة مكتسبة. وهنا لم يعد تقرير المصير استحقاقًا مضمونًا، بل تحول إلى الحاجة لتحقيق المتطلبات الحضارية وإثبات جدارتك في حكم نفسك.
أضافت بدوي “هذا التحول يسمح لإسرائيل والمجتمع الدولي بمطالبة السلطة الفلسطينية، أو الشعب الفلسطيني بشكل عام، بإثبات قدرتهم على حكم أنفسهم”.
لا ملاذ في القوانين الإنسانية
في حين يزعم الكثير من الناس حاليًا أن القانون الإنساني الدولي (IHL) يقف إلى جانب الفلسطينيين، فإن القضية ليست بهذه السهولة.
ووفقاً لبدوي، فإن القانون الدولي الإنساني، في هذه الحالة، يتلخص في مبدأ التناسب، الذي يتطلب أنه عند التخطيط لهجوم ما، يجب أن تفوق المكاسب العسكرية الخسارة المتوقعة، لا الفعلية، في أرواح المدنيين”.
قالت بدوي “سخافة هذه الحسبة لا توصف. فمعنى ذلك أن نقول ‘بالنسبة لهذا الهدف العسكري تحديدًا، فإن خسارة ١٠ مدنيين أمر مقبول، ولكن بالنسبة لذاك الهدف العسكري الآخر، يبدو أن الرقم ١٠٠ معقولًا”.
على حد وصفها، فإن الحساب ليس سخيفًا وغير إنساني وقاسيًا فحسب، بل أيضًا من المستحيل تقييمه منطقيًا. ولهذا السبب نجد أنه يتحول تدريجياً إلى مجرد شرط لوجود هدف عسكري.
قالت بدوي، “ما نراه حاليًا هو ادعاءات بوجود نشطاء تابعين لحماس هنا، أو نفق تحت مستشفى، أو شخص يختبئ في مخيم اللاجئين، دون تقييم عدد الأرواح التي من المتوقع أن تتضرر بسبب تلك العملية أو ذلك النفق”.
فرغم أن بدوي تدرك أن البعض قد يرى أن مبدأ التناسب عديم الفائدة، إلا أنها تقول إنه مهم لأنه يمكن الاحتجاج به. ويمكن التأكيد عليه واستخدامه للمعاقبة والإدانة وقتما شأنا، كما نرى في الجرائم المرتكبة في أوكرانيا.
على الرغم من أنه يبدو أن اتفاقية الإبادة الجماعية توفر بعض الأمل، حيث أن إسرائيل جزء من تلك الاتفاقية، فإن الموضوع ليس بهذه السهولة. وبحسب بدوي، تنص المادة التاسعة من الاتفاقية على اختصاص محكمة العدل الدولية في النزاعات المتعلقة بالاتفاقية، مما قد يخلق مساحة لعدم الحاجة إلى الموافقة.
قالت بدوي “في عام ٢٠١٤، أصبحت فلسطين أيضًا جزءًا من تلك الاتفاقية، لذلك قد تختار فلسطين اتباع نفس المسار الذي فعلته أوكرانيا ضد روسيا، رغم إشكالية اعتبار فلسطين دولة وحقها في المثول أمام المحكمة”.
مع ذلك، وفقا لبدوي، يمكن تجنب هذه الإشكالية من خلال قيام دولة ثالثة برفع قضية ضد إسرائيل على أسس انتهاك الإلتزام “تجاه الكافة” (التزام الدولة تجاه المجتمع الدولي ككل). ولكن حتى في هذه الحالة، قد يكون تقديم دليل أمرًا صعبًا، لأن جريمة الإبادة الجماعية تتضمن مفهوم النية، وهو ما يكون دائمًا موضع نقاش.
قالت بدوي “إن نية إسرائيل المعلنة هي محاربة حماس، تجنبًا لنية الإبادة الجماعية، والاتجاه نحو مكافحة الإرهاب. تحتوي اللغة دائمًا على نص بين السطور غالبًا ما يكون حجة قانونية”.
أضافت إنه بالنظر إلى عدم تحديد ومرونة القانون الدولي وأنه من المرجح أن يفيد الأقوياء، فمن الصعب الإجابة على سؤال ماذا ينبغي للمرء أن يفعله ؛ التخلي عنه، انتقاده، أم استخدامه بشكل استراتيجي؟
أنهت بدوي كلامها قائلة، “لا أعتقد أنني
أعرف الإجابة، لا أدري ماذا أقول” وأكملت أنه بالرغم من تضامنا الكامل مع القضية، الخطر الحقيقي ليس على حياتها أو مستقبلها بنفس القدر الذي يعانيه الفلسطينيون.