تراثنا العربي في مواجهة الغزو الثقافي .. صراع لا ينتهي
تقرير: هدى إسماعيل وأيمن العطار
تصوير: جوليا خليفات
إذا كنت طالب مصري أو عربي في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، فربما تخرجت من مدرسة دولية وكانت لغة دراستك هي اللغة الإنجليزية، لذا فأنت تستخدمها كلغة أساسية طوال حياتك، كما ستجد نفسك ملمًا أكثر بالثقافة الأجنبية، وبالتالي فهناك تهديد كبير بفقدان لغتك العربية التي تحمل هويتك العربية.
أشار عبد الرحمن حجازي، طالب بالسنة الأخيرة بكلية إدارة الأعمال بالجامعة أن أغلب الطلاب قد تعلموا بمدارس دولية ويشاهدون أفلامًا بلغة أجنبية، ويعتبر ذلك سبب بعدهم عن العربية والميول للتحدث بالانجليزية، ومن العقبات التي تعرقل العربية أنها مادة غير محببة لدى طلاب المدارس، كما تميل بيئة العمل إلى الإنجليزية”.
كشفت عزة حسنين، أستاذة بقسم تعليم اللغة العربية في الجامعة، عن رأيها في سلوك الطلاب المصريين: “الموضوع عبارة عن تباهي للمصريين فكوني لا أكتب باللغة العربية يدل على أني كنت في مدرسة دولية، فعلى سبيل المثال سمعت سيدتين تتحدثان الإنجليزية فوجدت صعوبة في فهمهن لافتقارهن للصحة اللغوية، وكأن الإصرار على استخدام اللغة الأجنبية هو فقط لإظهار المستوى الطبقي والتمايز الاجتماعي”.
على النقيض من الاعتزاز باللغة الأجنبية، نرى أن الكاتب نجيب محفوظ قد اعتبر ذلك إشارة واضحة على الجهل حين قال: “تحدثك باللغة الانجليزية مع شخص عربي مثلك، لا يدل إطلاقًا أنك إنسان مثقف، بل أنك إنسان جاهل للغتك، ومحروم أيضًا من جمالها”.
قال كريم جميعي، طالب بالسنة الأخيرة بقسم هندسة الحاسب الآلي: “تحاول بعض الطبقات الاجتماعية أن تتحدث بالانجليزية رغم انها ليست ثقافتها، وتفعل هذا كنوع من الإحداث لتظهر أنها من الطبقة العليا، ومن منظوري الشخصي هذا غير جيد على الإطلاق، فمن الممكن أن تفتح اللغة الثانية بابًا من الفرص لكن هذا لا يبرر التخلي عن اللغة العربية”.
تفشّت ظاهرة لا يمكن تجاهلها بين المنتمين للطبقة العليا ذات الهوية الجديدة وهي أن البعض منهم ينظر لذوي الدخل المحدود ومن التحقوا بالتعليم العام على أنهم الطبقة الدنيا، وصارت كلمة “بلدي” مرادفاً للرداءة، بما يشير إلى الاستنكار والاستخفاف لهويتهم الأصلية.
على الرغم من انتشار هذه الظواهر إلا أن تأثيرها ظل محدودًا داخل دوائر معينة، واستمرت العربية تعيش بين الناس ولم تتأثر بشكل كبير كما تأثرت بالاستعمار الثقافي الفرنسي شعوب مثل تونس والجزائر، والتي فرض عليهم الاستعمار لغته كلغة رسمية في التعليم الحكومي العام والمعاملات الحكومية.
تابعت حسنين: “عاشت مصر محتلة لسنوات طويلة من عمرها، ومع ذلك تمسّك المصريون بلغتهم ولم يفقدوا هويتهم مقارنة بما يحدث في الوقت الحاضر. إن ما نراه الآن يعد نوعًا من الاستعمار الثقافي، فبعض الطلاب يستمعون للموسيقى الأجنبية ولا يعلمون إلا القليل عن الطرب المصري والسينما المصرية”.
من المحبط أن بعض الأجانب يهتمون بدراسة اللغة العربية وكذلك بمعرفة الثقافة المصرية بينما بعض أصحاب اللغة الأم من مجتمع الجامعة لا يبدون اهتمامًا كافيًا بممارسة اللغة ولا الثقافة العربية بشكل عام.
قال شمس كراش، طالب تبادل ثقافي من أمريكا ذو أصول إيرانية، أتى إلى مصر ليدرس ويعمل فيها كفرصة لصقل لغته العربية والتعرف على الثقافة: “لدي فضولٌ أن أزور كل الأماكن في مصر والتي ليست بالضرورة سياحية، وقد زرت بورسعيد والسويس والفيوم والإسكندرية وغيرها، وأشعر أن مصر أصبحت موطني الثاني”.
أعرب كراش أنّ جذور المشكلة ليست في مصر فقط حيث لاحظ أنها منتشرة في معظم البلاد العربية، فقال: “سمعت عن هذه المشكلة كثيرًا في دول الخليج كالإمارات والسعودية، وأن الشباب يتكلمون الإنجليزية لأن ثقافة هذا العصر تتمحور حول وسائل التواصل الاجتماعي، والمحتوى في معظمه مكتوب باللغة الانجليزية وهذا من خلال ملاحظتي ما يبعدهم من اللغة العربية”.
أضاف محمد القصاص، طالب بالسنة الاخيرة تخصص ريادة الأعمال: “كان هناك دراسة حالة تشير أن تعلّم اللغات مع أساس قوي في اللغة الأم يؤدي إلى فهم المادة التعليمية بشكلٍ أفضل”.
تقول هذه الدراسات أن التمرّد عن اللغة الأم هو فعل غير صائب لأن التخلي عنها يهدم ثقافات وشعوب، وأشار القصّاص أن بعض الدول مثل السعودية مازالت تتمسك بتعليم الطلاب كافة المواد باللغة العربية، كما أشار جميعي أن بعض الأعمال يجب أن تنجز باللغة الإنجليزية بفرض الأمر الواقع، ولكن دون التخلي عن اللغة الأم مثل الألمان، بل يعتزون بها ويحاولون تعميمها.