نِهاد أبو القُمصان: سيدة المواقف الصعبة
تقرير: يُمنى نيازي وعمر مهنا
@YNeiazyGharieb
استطاعت المحامية المرموقة نهاد أبو القُمصان أن تبني اسمًا له ثِقلٌ من الصعب أن يجهله أحد في المجتمع المصري؛ وخاصةً في الآونة الأخيرة التي شهدت طفرة في السعي قُدُمًَا للعلو بحقوق المرأة والأسرة المصرية. في هذا الحوار الحصري، أجابت الأستاذة المُحامية نهاد أبو القمصان، وهي رئيسة المجلس المصري لحقوق المرأة والمناضلة الأبيّة في مجال حقوق المرأة، على شتى الأسئلة الخاصة بالمرأة المصرية وحقوقها.
فيما يتعلق بأهم القضايا التي تهتم بها أبو القُمصان أكدت أنه طالما يستمر العنف المنزلي والخوف من اللجوء إلي منظومة العدالة سيظل الطريق طويلًا في سبيل تحقيق المساواة. وأضافت أبو القُمصان أن طالما آليات حماية السيدات من التحرش ليست كافية سيظل هناك ما يشغلُها.
أما بالنسبة للمراجعة القانونية لمسلسل «فاتن أمل حربي»، وهو الذي أصبح مثار جدل في المجتمع المصري فور عرضه في شهر رمضان حيث انقسم الجمهور إلى مؤيدين لإنصاف المرأة ومعارضين لتمكين المرأة، ترى أبو القُمصان أن أولئك الذين يحطون من شأن المساواة بين الرجل والمرأة هم أصحاب المصالح الذين ينتفعون من وراء غياب التوازن في العلاقة الزوجية وهدم حق المرأة داخل الأسرة.
فكما جاء في حديث أبو القُمصان أن البيوت تُبني على الشراكة لا القهر كما أن الزواج الإنساني هو الزواج الذي لا تشوبه غيرة أو تسلُط أو إحساس بالتملُك من كلا الطرفين، أما الزواج الذي يتخلله التسلُط من قبل الزوج فهدفه الوحيد هو الحفاظ على جميع المكاسب السلطوية وهو الأمر الذي تصفه أبو القُمصان بأنه إثراء دون سبب.
تؤكد أبو القُمصان علي أن أصحاب العلاقات السوية نادرًا ما يلجأون إلي المحاكم لفض النزاعات الزوجية بل غالبًا يتم الانفصال في جو اتفاقات طلاق محترمة ولكن العلاقات التي تخلو من الروابط الإنسانية تجاه الزوجة هي التي نراها متجسدة كحقيقة مُرَّة في المحاكم المصرية.
أما فيما يتعلق بالجدل الدائر حول قانون الأحوال الشخصية ومدى إنصافه للمرأة، فقالت أبو القُمصان أنه يجب علينا أولََا تحديد غاية هذا القانون: هل هو قانون يهدف إلى إحكام وضبط العلاقة بين أفراد الأسرة أم أنه قانون سياسي ينم عن صراعات بين جماعات سياسية متباينة ذات رؤى براجماتية بحتة؟
تعتقد أبو القُمصان أن سبب التباين بين الزيجات الحالية والزيجات في الماضي، بل ووجود النجاح والتوازن النسبي في الزيجات في الماضي يرجع إلى وجود عنصر العائلة الكبيرة الممتدة أو حسب قولها «عيلة بتتجوز عيلة»، وهو الأمر الذي تفتقده زيجات هذا العصر وعليه، في ظل غياب الاعتماد على تدخل العائلة تري أبو القُمصان ضرورة تدخل القانون.
تسائل الكثيرون عن إمكانية ومدى واقعية رفع قضية ضد قانون الأحوال الشخصية كما جاء في مسلسل «فاتن أمل حربي».
قالت أبو القُمصان أن «قانون الأحوال الشخصية المصري ِشهد تاريخ طويل من التغيرات والتطورات طوال السنوات، فصدور أول قانون أحوال شخصية؛ يرجع إلى سنة ١٩٢٠ وظلت قوانين أخرى تتشعب منه حتى وصل الحال إلى وجود تسعة قوانين تندرج تحت قانون الأحوال الشخصية وهنا تكمن الصعوبة البالغة في رفع قضية على قانون الأحوال الشخصية، مما يجعل ما جاء في المسلسل فكرة أقرب للدراما منها للواقع.
أضافت أبو القمصان «ليتم الطعن يجب الطعن إما على القانون بأكمله وهذا يحدث في حالة وجود إجراءات غير دستورية أثناء مناقشة القانون وتشريعه في البرلمان أو أن يكون هناك اعتراض على بعض مواد القانون والذي بدوره يعد تحدٍ من ناحية تحديد أي مادة تخص أي من القوانين التسعة للطعن عليها ناهينا طبعًا عن أن القُضاة هم الذين بيدهم إحالة القضية إلي المحكمة الدستورية، لا المواطنين العاديين وعليه، فإن السعي لتغيير منظومة قوانين برمتها يستوجب تدخل البرلمان».
وفي ضوء الحديث عن مسلسل «فاتن أمل حربي» تطرقت أبو القُمصان إلي إسهامات الأعمال الفنية في تغيير القوانين والمفاهيم، فتري أبو القُمصان أن نجاح المسلسل يرجع إلي نقله لواقع المحاكم المصرية للمُشاهِد، فهنا تلعب الدراما دور لرفع الوعي. ولكن كما يوجد للدراما دور فّعال في النهوض بالوعي لا يخفى أن في بعض الأحيان يكون لها دور هدّام لتزييف الوعي فعلى سبيل المثال فيلم «الشقة من حق الزوجة» تسبب في إلغاء المادة التي تنص على أن السكن يصبح قصرًا من حق الزوجة في حالة الطلاق.
أشادت أبو القُمصان بالحملات الرسمية وغير الرسمية التي تتصدى لظاهرة التحرش ودورها في تغيير مفاهيم الشباب المصري، حيث تري أبو القُمصان أن زيادة الوعي بتلك الظاهرة والتصدي لها بمثابة نموذج عالمي يجب أن يُدَرَّس. قام المجلس المصري لحقوق المرأة في ٢٠٠٥ بعمل دراسة واسعة، كانت هي الدراسة الأولى من نوعها في المنطقة العربية التي استطاعت أن تميط اللثام عن تلك الظاهرة المتفشية والمسكوت عنها. ونظرًا لريادة الدراسة وما ترتب عليها من تحديات أخذت الدراسة ثلاث سنوات حتى تكتمل وتُنشر في عام ٢٠٠٨.
تقول أبو القُمصان « كانت المبادرات الشبابية المتصدية للتحرش تقابل بالسخرية في باديء الأمر» ولكن أصبحت الأوضاع الآن في طريقها للصواب، فالقانون مثلًا خضع للتغيير خمس مرات في مجلس الشعب لتغليظ العقوبات أحدثها كان في ٢٠٢١.
هذا بالإضافة إلى أن آليات تنفيذ القوانين ظاهرة بالفعل في الجامعات لمواجهة التحرش الجنسي بل وأن قانون العمل نفسه موضع طرح الآن في البرلمان الذي سيدرج تحته مادة تخص التحرش.
وتُدلل أبو القُمصان على هذا التأثير الإيجابي فتقول «نسبة التحرش إبان الدراسة في ٢٠٠٨ كانت ٨٣% وكانت تلك نسبة غير مسبوقة، ولكن في دراسة تمت في ٢٠١٧وتم التأكيد عليها في ٢٠١٩ تقلصت النسبة إلى ١٣% وهو فرق مذهل للغاية؛ ذلك وأن نسبة وفرصة الإفصاح عن التحرش من قبل السيدات زادت عما سبق كما أن المنظومة القانونية أصبحت لا تتقبل التحرش نهائيًا».
تؤكد أبو القُمصان أن التطور الذي حدث على المستوى القانوني والجنائي فضلًا عن زيادة جرأة السيدات في الإفصاح سبب نوع من الصدمة للجناة، تقول «فالجناة عَادةً يكونوا في ذهول أن شيء بسيط مثل رسالة معاكسة سيؤخذ على محمل الجد قانونيًا بل ويدخل في دائرة الإجرام».
الزائد على تلك التطورات الإيجابية هو إدراج مصطلح «التحرش» في قانون العقوبات وهنا تقول أبو القُمصان «أنا لبثت عشر سنوات أحاول إقناع المشرعين في وزارة العدل والبرلمان أن مصطلحات قانون العقوبات غير كافية، حيث أن تعريف جريمة التحرش سابقًا كان يُعَرَّف إما بفعل فاضح في الطريق العام أو التعرض لأنثى أما الآن فقد طرأ تعديل علي هذا البند ليصبح تعريف التحرش هو التعرض للغير وليس الإناث فقط».
ذلك وأن من التعديلات الأخرى التي طرأت على القانون هو أن التحرش يحدث إما بهدف الحصول على منفعة جنسية أو لا وهو البند الذي لم يكن موجودًا من قبل في قانون العقوبات حيث كان البند ينص فقط على أن المتحرش هو من يريد منفعة جنسية أما الآن أصبح تجريم التحرش يُطبق سواء على من أراد منفعة أم لا.
مثلها مثل مصريات كُثر، أبو القُمصان أم ومُربية لابنتين وابن واحد، فابنتها الكبري سُهيلة حذت حذو والدتها ووالدها المحامي والمناضل الراحل حافظ أبو سعدة فامتهنت المحاماة، وهو الأمر الذي قد يجعل البعض يعتقد أنه كان لأبو القُمصان وأبو سعدة تأثير علي اختيار ابنتهما للمحاماة، ولكن أبو القُمصان قالت «أنا لا أؤمن بأن المهن تُوَرَث وأعتبر دوري في حياة أبنائي مقتصر على مجرد المناقشة وإبداء الرأي والنصيحة، لا التأثير».
وعند طرح سؤال افتراضي لأبو القُمصان عما إذا كانت هناك مهنة أخرى غير المحاماة طالما أرادت أن تمتهنها أجابت بأن مهنة الإعلام كثيرًا ما أعجبتها لشدة حبها للقراءة والمطالعة.
أما عن النصيحة التي تتوجه بها أبو القمصان للسيدات والفتيات لخلق التوازن في حياتهن المهنية، العلمية والعملية، شبهت أبو القُمصان الحياة المتوازنة الغذائية المقسمة بنسب صحية فالحياة يجب أن تقسم بين العناية بالنفس والعمل والأسرة.
ذلك فضلًا عن بناية دفاعات نفسية فتقول أبو القُمصان « أنا لم أسمح لأحد يومًا بأن يوجهني أو يُملي عليّ واجباتي كأم لأن هذا الأمر كثيرًا ما تواجهه الأمهات الشابات في أوائل حياتهن وهو أقرب ما يكون إلي ابتزاز مُقنَّع، ولذلك أي سيدة لا تستطيع الحفاظ علي التوازن في حياتها بحيث تخلق مساحات محددة لكل فرد وجانب من حياتها ستظل حبيسة الوصاية من الجميع».