قوتها في ثقافتها
تقرير: فيرينا بيشوي
@vereena_bishoy
دائمًا تتردد عبارتا “المعرفة قوة” و”الجهل نعمة” في مجتمعنا. وانتهج مؤخرًا الكثيرون نهج أن المعرفة قوة؛ لأن المعرفة أساس السلوك السوي خاصًة في الموضوعات التي كانت تعتبر عادة من المحظورات، مثل التربية الجنسية.
حدثت طفرة في المعرفة بالتربية الجنسية بقيادة رواد على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي على خطى من قبلها مثل أخصائية الجنس الشجاعة هبة قطب، حيث تم إنشاء صفحات لنشر المعلومات حول التربية الجنسية لتعويض غيابها في مناهج التعليم .
إحدى هذه الصفحات هي “The Sex Talk” بالعربي وهي مبادرة على الإنترنت تأسست في يناير ٢٠١٨ على يد فاطمة إبراهيم طالبة دكتوراه في الاقتصاد السياسي النسوي والتنمية و باحثة وناشطة نسوية .
تهدف الصفحة الإلكترونية إلى شرح مفهوم الإجابية الجنسية، أي مجابهة الوصمة المجتمعية حول الجنس واعتباره شيء طبيعي ويجب مناقشته بانفتاح، من خلال معالجة قضايا صحة المرأة الجنسية في الوطن العربي. وتقدم الصفحة محتوى علمي يتعلق بالصحة الجنسية ويعطي الأولوية لاحتياجات المرأة وخبراتها.
أوضحت إيمان سليمان عضو مؤسس في مبادرة “The Sex Talk” بالعربي ومديرة فريق العلاقات العامة للقافلة أهمية مبادرات التوعية الجنسية من خلال وسائل التواصل الإجتماعي في الوطن العربي .
وشرحت سليمان الهدف من مبادرتها قائلة “هدفت المبادرة إلى توفير الثقافة الجنسيية التي لم نحصل عليها من قبل بسبب القيود والعادات المجتمعية
بعد عام من إطلاق الصفحة أصبح هناك حاجة ملحة إلى جعل المعرفة التي يقدمها “The Sex Talk” بالعربي متاحة للجميع، لذلك قرر المؤسسون إنشاءه ونشره على نطاق أوسع، لتعليم جنسي إيجابي وشامل باللغة العربية عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى.
ذكرت سليمان أن العقبة الرئيسية أمامهم هي إيجاد المصطلحات الصحيحة باللغة العربية للحديث عن الصحة الجنسية. معظم المصطلحات الجنسية في اللغة العربية تعتبر وصمة عار وتعطي دلالة سلبية على الأنشطة الجنسية، ولذلك يعملون على إنشاء قاموس عربي للمصطلحات المتنوعة المتعلقة بالجنس .
أضافت سليمان “هناك عقبة أخرى تتمثل في الهجوم العام من الأفراد الكارهين للنساء الذين يعارضون المحتوى الخاص بنا، ولكن هذا الذي توقعناه قبل أن نقرر نقل نشاطنا إلى المجال العام . قد يكون التعامل مع الكراهية والتحرش أمرًا مرهقًا نفسيََا، لكننا نعتقد أنه من خلال التعليم يمكن أن تنخفض هذه الممارسات العدائية تدريجيًا تجاهنا وتجاه المرأة”.
أوضحت سليمان أن إحدى المشكلات التي تواجهها المبادرة هي إيجاد الترجمة العربية الدقيقة للمصطلحات المتعلقة بالصحة الجنسية لأنه نظرََا لغياب الوعي والتعليم الجنسي عن العالم العربي فمعظم المصطلحات العربية التي تصف العملية الجنسية يتم استقبالها بدلالات سلبية أو مشينة.
وأضافت “أسطورة غشاء البكارة وقصص الرعب التي سمعناها جميعًا منذ الصغر كنساء عربيات عن حتمية نزول الدم ليلة الزفاف هي معلومات ملفقة تمامًا. والألم الذي يوصف بأنه “الطبيعي” الذي تتعرض له المرأة أثناء الجماع، يمكن أن يكون مؤشرًا على المضاعفات الفسيولوجية في منطقة الرحم. بالإضافة إلى العنف والتحرش والعار الذي تواجهه المرأة عندما تحاول طلب خدمات الصحة الجنسية إذا كانت غير متزوجة، أو عندما تطلب خدمات يحرمها المجتمع مثل الإجهاض”.
هذه مجرد أمثلة على التأثير الوخيم الناجم عن نقص الوعي بالصحة الجنسية للمرأة وتطبيع العنف الجنسي ضدها.
تكلمت سليمان عن الأثر الذي أحدثته صفحتهم على المرأة العربية، وتأثيرها في تشكيل الوعي وتمكين المرأة.
شاركت سليمان مع القافلة تعليق من إحدى متابعات الصفحة جاء فيه: “لقد تابعتك أمي مؤخرًا وهي الآن تتحدث معي بصراحة أكبر حول القضايا الجنسية ونحن قادرون على إنشاء هذه الرابطة بسببك”.
استطردت سليمان “هذه عينة من التعليقات التي نتلقاها يوميًا والتي تدفعنا لمواصلة ما نقدمه. تصلنا يوميًا رسائل من نساء عن كيف بدأن إدراك أنفسهن وأحيانًا شركائهن وأفراد أسرهن من منظور نسوي وكيف يعيدن تقييم ما هو متوقع منهن بناًء على الدور الاجتماعي الذي يفرضه عليهن المجتمع”.
يخبرونهم الناس بمدى تأثير المبادرة على حياتهم، ومدى تقديرهم لوجود المواد التعليمية باللغة العربية وإمكانية الوصول إليها. يتلقون أيضًا عددًا كبيرًا من الأسئلة التي تدل على مدى حرص الأشخاص على التعلم وأن يكونوا جزءًا من المحادثة.
كانت هذه الحركة سائدة أيضًا على نطاق أصغر في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، حيث يحاول الأساتذة دمج التربية الجنسية لتكون جزءًا من مناهجهم الدراسية ومنحها مكانًا للمناقشة.
أحد هؤلاء الأساتذة هي نور زكي، الأستاذ المساعد بقسم علم النفس وأخصائية علم النفس التنموي.
شرحت زكي أن في منهج مادة علم النفس التنموي، وهي مادة يدرسها جميع طلاب تخصص علم النفس، يتم مناقشة الثقافة الجنسية ليس فقط عن المعلومات الخاصة بالعلاقة الجنسية، وتشريح الجسم وأعضائه مثل الجهاز التناسلي، بل يشمل أيضََا أشياء أخرى عديدة مثل: تعرف الطفل على جسمه، مفهوم الخصوصية، الموافقة المشتركة، العلاقات بشكل عام، والإيذاء الجسدي أو النفسي.
قالت زكي “الثقافة الجنسية غير محدودة على البنات والسيدات، فلو لم يتم تقديم الثقافة الجنسية من خلال مصادر موثوق فيها مثل الأهل والمناهج الدراسية فالفضول يؤدي الى تلقي هذه المعلومات من مصادر غير دقيقة وغير وموثوقة مثل الأفلام الإباحية، ومواقع الأنترنت”.
كما أوضحت زكي أن النقص في المعرفة والتعرف وقبول تطور الجسم وتغيراته في مراحل البلوغ عند الأنثى سواء التغيرات الجسدية أو النفسية مثل تغيير شكل أعضاء الجسم، الحيض، والتبويض يؤدي إلى الشعور بالخجل والإحراج المؤدي إلى الإحساس بعدم الثقة بالنفس، وتشويه الأفكار عن نفسها وعن جسمها.
وأضافت ” إن عدم الوعي الكافي قد يؤدي في بعض الحالات إلى الرهبة من العلاقة الزوجية، وتكوين توقعات وتخوفات خاطئة لها آثار سلبية في حياتها الزوجية، الجنسية والصحية كالتشنجات المهبلية”.
شرحت زكي أن أثناء مناقشاتها مع الطلاب بات واضحًا أن التباين في تقديم المعلومات الجنسية بين المدارس المختلفة، بداية من المدارس التي لا تتطرق إلى تلك المواضيع، مرورََا بالمدارس التي تطلب من التلاميذ دراسة الفصل في مادة الأحياء المتعلق بالجهاز التناسلي بمجهودهم الشخصي، أو المدارس التي تحاول التطرق للموضوع، ولكن صبغة الخجل والإحراج تمنع تناول الموضوع بطريقة علمية مفيدة وموضوعية ويتحول من كونه موضوع حيوي إلى موضوع محرم وغير لائق، نهاية بمدارس تقدم تلك المعلومات من خلال ندوات عن بناء الشخصية.
أنهت حديثها قائلة أن أكثر المواضيع المؤثرة في الطلاب هي مناقشة ذلك الموضوع الشائك بالنسبة للكثيرين منهم.
أرادت القافلة أيضًا الحصول على وجهات نظر بيولوجية حول هذا الموضوع، حيث شاركتنا رحاب عبد الله أستاذ مساعد متعاون بقسم الأحياء وباحثة ما بعد الدكتوراة وعالمة أحياء ميكروبيولوجية رأيها العلمي.
وحددت أهمية فهم العدوى التي قد تكون ناتجة عن العلاقات الجنسية.
وقد اتفقت عبدالله مع زكي على أن التثقيف الجنسي هو موضوع مهم للغاية ولا يتعامل مع العلاقات الجنسية فحسب، بل يتعلق أيضًا بفهم جسمك. ومن المهم جدًا للفتيات والنساء فهم أجسادهن من خلال التربية الجنسية.
أضافت عبد الله “في الواقع، أعتقد أنه يجب تضمين هذا في مناهج المدارس الثانوية أو حتى قبل ذلك. يجب أن نحدد هذا في طريقة تفكيرهم”.
الأمراض المنقولة جنسيًا موضوع ذو أهمية كبيرة ويجب مناقشته مع جميع الناس، وليس النساء فقط.
أوضحت عبد الله “إذا كان ليس لدى المرء الوعي الكافي بالميكروبات الناتجة عن بعض العلاقات الجنسية التي تمثل مشكلة، فقد يصاب بالسرطان على سبيل المثال وهذا هو مدى خطورته”.
وتعتقد عبد الله أنه من المهم للجامعة تنفيذ دورة عامة مفتوحة لأي شخص وكل شخص في الجامعة، وليس فقط طلاب الأحياء، حيث يناقشون الجنس من بين أمور أخرى متعلقة بالصحة.