من الجرافيتي إلى البودكاست: الحفاظ على التاريخ المصري حياً
تقرير: ليلة عبد اللطيف
@leilayasser
ترجمة: بسنت شحاتة
كان حرم الجامعة الأمريكية بالقاهرة الذي يقع في ميدان التحرير، والذي شهد ثورة الخامس والعشرين من يناير2011، موقع مُستهدف للجرافيتي (الكتابة على الجدران) خلال الثورة.
يقول ستيفن أورجولا، كبير خبراء المحفوظات بالجامعة في حرم الجامعة بالقاهرة الجديدة ومدير مشروع «جامعة في الميدان: توثيق ثورة القرن الحادي والعشرين في مصر»، إن إزالة بعض الرسومات من على جدران الحرم الجامعي كانت جزءًا من مبادرة حكومية وليس قرار داخلي. بالإضافة إلى ذلك، يقول أورغولا أن الإزالة كانت جزءًا من «المسار الطبيعي لتطوير حرم [التحرير]»، نظرًا لأن معظم اللوحات الجدارية كانت على جدران مبنى العلوم الذي تم هدمه لاحقًا، بعد أن أصبح قديمًا، والمساحة التي كان يشغلها أُعيد تصميمها مرة أخرى لتصبح مدخل جديد لحرم الجامعة بالتحرير.
تحتوي مكتبة الكتب النادرة والمجموعات الخاصة (RBSCL) بالجامعة على مجموعة إلكترونية من جرافيتي جدران الحرم الجامعي. وضح أورجولا أن مشروع توثيق الثورة لم يكن مشروعًا منظمًا، بل كان يتألف من «طرق مختلفة»، وعادة ما تكون تبرعات الصور الفوتوغرافية من طلاب برنامج العمل خلال الدراسة work-study أو حتى الفنانين المحترفين مثل المصورة السويدية ميا جروندال.
صرح أورجولا في أحد المقابلات الخاصة مع جروندال بمشروع التاريخ الشفوي التي أجرتها RBSCL، حيث كشفت عن التوترات القائمة بين فنانين الجرافيتي من حيث يقلل الفنانون الذكور من الجهود التي تبذلها الفنانات، «مما يجعلك تتساءل عن الدوافع وراء حركة الجرافيتي نفسها».
على الرغم من التوترات والتشتت داخل مجتمع الجرافيتي وفوضى الثورة، حاول مشروع الأرشفة تقديم نظرة شاملة لوجهات النظر المختلفة. يقول أورجولا «ما زلنا نوظف الطلاب للعمل في المشروع»، مؤكدًا على أن الانتفاضة تظل مهمة للتوثيق، خاصةً أنه «لقد مرت عشر سنوات فقط [منذ حدوثها]».
يعتقد عمار أبو بكر، أحد أهم فناني الجرافيتي خلال الثورة، أن هذا الفن مرتبط دائمًا بالمكان والزمان اللذين يتم إنشاؤه فيهما.
يقول أبو بكر، الذي يرسم تحت الاسم الفني «دبانة»، أن الثورة كانت لحظة فاصلة في فن الجرافيتي في مصر.
يقول الفنان الذي كان أستاذاً مساعداً في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة في ذلك الوقت إنه شعر أن «مسؤولية الفنانين هي سرد قصص [الثورة] التي لم تكن ممثلة في وسائل الإعلام في ذلك الوقت».
ربما وُلد الجرافيتي في لحظة تدفق الآراء ورفض القمع، لكنه لم يكن عضوًا أصيلًا في المشهد الفني في مصر.
قال أبوبكر «فنون الشارع مثل الجرافيتي ليست جزءًا من الثقافة الفنية في مصر، على عكس الوضع خارج مصر، حيث يخرج المراهقون الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و 14 عامًا بعلب الألوان ويملئون الجدران بالرسومات».
كما يسلط أبو بكر الضوء على التمييز بين التخريب والفن الجداري، حيث يقول أن كلاهما شكلين من أشكال الكتابة على الجدران. ويضيف «أنا ضد التخريب. بل بالعكس، أعتقد أنه يجب دعم الجداريات الفنية كما هو الحال في العديد من البلدان، حتى الدول العربية مثل تونس، على سبيل المثال».
حاليًا يعد حرم الجامعة بالقاهرة الجديدة موطنًا للعديد من الجداريات الثورية على جدران قاعة باسيلي التي تم نسجها من مئات الصور المجمعة. أشرف ديفيد لندن، الأستاذ بقسم الإعلام والصحافة المتقاعد، على المشروع.
في منتصف أكتوبر 2021، تمت إزالة الجداريات مؤقتًا وبشكل مفاجئ دون علم الطلاب والأساتذة، مما تسبب في ارتباك وخيبة أمل حتى تم إعادتها لمكانها.
غردت كيم فوكس، أستاذ بقسم الإعلام والصحافة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، مُعلقة على ذلك، «تمت إزالة جميع جداريات صور 25 يناير!»
تقول فوكس «عرفت مشروع [الجداريات] منذ بدايته، فعندما لاحظت أن [الجداريات] لم تعد موجودة، شعرت بالدهشة». فوكس اهتمت بالمشروع نظرًا لأنها شهدت التحولات التي طرأت على مصر منذ وصولها إلى مصر وبداية تدريسها بالجامعة في عام 2009.
وردًا على ذلك، نشرت الجامعة في جدولها الأسبوعي، «تخضع جداريات الثورة الخاصة بقاعة باسيلي للصيانة والترميم حاليًا. سيتم إعادتها الأسبوع المقبل».
تؤكد فوكس على أن اللوحات الجدارية عنصر أساسي للتوثيق، وتسلط الضوء أيضًا على أهميتها نظرًا لأنها كانت «مبادرة طلابية».
ليست الجداريات هي التذكير الوحيد في حرم الجامعة بالقاهرة الجديدة بتلك الفترة المضطربة، فقد تمت إعادة تسمية إحدى بوابات الجامعة على اسم عمر محسن، طالب الجامعة الأمريكية بالقاهرة الذي فقد حياته في مذبحة بورسعيد عام 2012 – وهي نقطة محورية في أعقاب الثورة.
وتضيف فوكس «الجامعة الأمريكية بالقاهرة [لذلك] مُلزمة بالحفاظ على هذا التاريخ [الثورة]».
نظرًا لكون الثورة مرتبطة ارتباط وثيق بتاريخ الجامعة، فأصبحت آراء الطلاب ذات أهمية في النقاش حول أفضل طريقة لتوثيق تلك الفترة من تاريخ مصر.
عبر عبد الله ناصف، طالب العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية ومؤسس البرنامج الصوتي «التحرير بودكاست» الذي يوثق تجارب الناس في الشرق الأوسط مع الربيع العربي، عن امتنانه أنه لم يتم إزالة جداريات الجامعة، على عكس ما حدث في حرم ميدان التحرير.
ميل ناصف نحو المنصات الألكترونية واضح إلى حد ما حيث يقول «لا أعتقد أن الكتابة على الجدران هي وسيلة للتوثيق، بل الأشكال غير المادية مثل البودكاست … هذا هو التوثيق الحقيقي».
تقول فوكس أن البودكاست أكثر تحفظًا كشكل من أشكال التعبير بسبب الرقابة وافتقارها إلى إمكانية البحث، حيث يصعب العثور على البودكاست ما لم يكن لديه نص منشور للبحث عنه.
تقول فوكس «البودكاست يختبئ وراء كونه منصة صوتية». وهذا يجعله أكثر فائدة خاصةً كشكل من أشكال سرد القصص .
وهكذا، في حين يبدو أن الكتابة على الجدران بشكلها السياسي تلفظ أنفاسها الأخيرة، يظل السرد القصصي أمرًا مهمًا للتعبير عن آراء المصريين، وإن كان ذلك بطرق أكثر تحفظًا.
تقول فوكس، «لا أتفق مع الرأي القائل بأن السرد القصصي على وشك الاندثار بسبب الرقابة – السرد القصصي يظل مهم [وله] تاريخ مصري ثري».
بالإضافة إلى الأرشيف الرقمي للجامعة، تم توثيق الكثير من رسومات الجرافيتي في التحرير في كتاب 2014 «جدران الحرية: فن شارع الثورة المصرية» للكاتبة بسمة حمدي.
تقول هبة طه، الأستاذ المساعد بقسم العلوم السياسية بالجامعة، أن الكتاب «يوثق كيف تغير فن الجرافيتي على مدار أيام الثورة [وهو] تذكير مهم بشيئًا قد مضى».
تقول طه أن إزالة الجرافيتي حرم الشارع المصري من هويته كمساحة مقاومة خلال الثورة.