بين سندان الحب ومطرقة الجفاء
كتب: عبدالرحمن رضوان
محرر
كرر على مسامعك كلمة القاهرة مرارًا، تأملها جيدًا، تأملها أكثر. ليست اسمًا اعتياديًا بكل تأكيد. كيف تري تلك المدينة التي تقهر؟ ما هي تلك المدينة التي ينطوي اسمها على صفة مذمومة كالقهر؟ من أسماها بالقاهرة؟ وما فحوى تلك التسمية المريبة؟
بالبحث البسيط، سنجد أن النظرية المشهورة تقول أن المعز لدين الله الفاطمي أطلق عليها هذا الاسم لتكون قاهرة لأعدائه من العباسيين.
دعنا نفترض سويًا هذا السيناريو العجيب؛ ستجد أنها صممت فعليًا لهذا الغرض. لا أتكلم عن القاهرة الجديدة وتلك المدن التي تم تصميمها خصيصًا لتعزل قاطنيها عن العالم؛ بل أتكلم عن القاهرة التاريخية.
قم بجولة سريعة من باب الفتوح لباب النصر، ثم باب زويلة، ثم باب الخلق، ومن ثَمَ اسرج إلى قلعة صلاح الدين. تأمل المناظر جيدًا ستجد أنها بالفعل قاهرة. قاهرةً لقلوب من يتمشى حولها. تفاصيلها المغزولة بعناية بالغة تضفي على القلوب شعورًا غريبًا بالحب الستكهولمي -نسبةً إلى متلازمة ستوكهولم- الممزوج بالخوف والريبة.
لذلك فإن قاهرة المعز لم تعد لغرض تخويف الأعداء؛ لأن القاهرة أصبحت تخدم هدفًا أسمى، وهو تخويف قاطنيها. وقاطنيها هؤلاء يتنوعون بين السكان الأصليين، والمهاجرين من الأقاليم -أمثالي، والأجانب.
أما عن الفئة الأولى، فالإحساس السالف ذكره استقر منذ مدة في نفوسهم ووُرث على مدار أجيال. وعن الفئة الثانية، فإنهم يتعجبون من هذا الشعور في البداية، ثم لا ينفك يصبح جزءًا من تكوينهم. أما عن الفئة الثالثة، فمن أتى منهم طواعية يحظى بحياة غير اعتيادية، تخيل عزيزي قاطن القاهرة أن تعمل في القاهرة بأجور تُدفع بالدولار! أما عن أولئك الآتين رغمًا عنهم، فأولئك لا يختلفون كثيرًا عن الفئة الثانية.
تفاصيل تلك المدينة مؤلمة إلى حدٍ كبير، كل تفاصيلها تبدو مؤلمة من نظرة بعيدة. ولكن لا تدري لماذا، ستجد نفسك تقع في غرام تلك التفاصيل كلما ازدادت فترة مكوثك فيها. علاقة لا تنم إلا عن وصفي السابق لها بالستكهولمية!
القاهرة تشبه ستوكهولم كثيرًا، في هذا النحو على الأقل، وعلى كلٍ ستبقى القاهرة في قلوب مريديها كمولد أم العواجز في أوجه.
في المرة القادمة التي تمر فيها أسفل باب زويلة، اقرأ الفاتحة على روح طومان باي، هكذا اعتاد أجدادنا أن يفعلوا.