مش لازم أسافر العالم علشان أحكي قصة
تقرير: نديم الضبع
EldabeNadeem@
كان جوهر مقال المصور والمخرج الوثائقي محمد المهدي «وادي القمر» فكرة «مش لازم أسافر العالم علشان أحكي قصة». فكتب هذه الكلمات لوصف ما التقطه بعدسته عن مأساة سكان منطقة وادي القمر الواقعة غرب الإسكندرية وذلك بسبب التلوث البيئي لوجود مصانع ملاصقة للكتلة السكنية.
تعود تسمية وادي القمر إلى العصور القديمة حيث كانت هذه المنطقة تزرع القمح وينعكس عليها ضوء القمر مرسلًا أشعته الفضية على الحقول الذهبية. لكن بعد تدخلات الإنسان أصبح الفرق شاسع بين الاسم والواقع.
اختار قسم الصحافة والإعلام بالجامعة الأمريكية بالقاهرة مجموعة من الصور لتسليط الضوء على معاناة السكان، والتى قام مهدي بتوثيقها بالصور لإظهار تأثير مصنع الأسمنت على صحة السكان وتهديد لحياتهم بالفناء.
يقع المصنع على بعد عشرة أمتار من البحر، وبسبب الرياح، أصبحت الكتلة السكنية هي المستقر لكل الأتربة العالقة. انتهز مهدي الفرصة ليصور المصنع من زوايا عديدة موثقًا حجم الأتربة المتراكمة على نوافذ المصنع والجيران. فبمجرد فتح النوافذ، لبضع دقائق يجد السكان أنفسهم محاطين داخل منازلهم بغلالة كثيفة من الأتربة.
بدأ مهدي اهتمامه بالتصوير الفوتوغرافي عام ٢٠١١، بعد أن نصحه أحدهم بتنمية جانبه الفني وتطوير نفسه، حيث وجد أن هذه الطريقة قادرة على إشباع شغفه، ومن خلال التصوير أصبح قادرًا على استرجاع هذه اللحظات الفانية، بل أيضًا قام بطباعة هذه الذكريات وجسدها من خلال الصور.
استمر في التعلم الذاتي حتى عام ٢٠١٧، الذي شهد أول دورة له من مؤسسة الأعمال الوثائقية للمصورين العرب (Photography Program Arab Documentary).
كما انتهى مؤخرًا من حضور ورشة تابعة لمؤسسة ماغنوم العالمية (MAGNUM) والتى تناولت العدالة الاجتماعية المرتبطة بالتغير المناخي.
أما في الوقت الحالي، فهو يدرس التصوير الوثائقي في الدانمارك.
ففي فترة دراسته بالكلية، كان لزامًا عليه أن يمر على المنطقة يوميًا. ولم ينتبه لأي شئ وقتها، حتى فوجئ بأحد أصدقاءه يخبره أن عائلته قد قررت الرحيل بسبب مرض أخته بالربو. أثارت هذه الواقعة تساؤلات كثيرة بداخله ومن هنا بدأ رحلة البحث عن الحقائق.
صرح مهدي للقافلة أن للبحث العلمي أهمية خاصة وارتباط شديد بالفن، خصوصًا التصوير الوثائقي، وتنبع أهميته من فكرة توثيق وحفظ اللقطات واللحظات ومن ثم يمكن استخدامها لتوجيه رسائل توعية للمجتمع.
من خلال عدسة الكاميرا، قام مهدي بتوثيق مآسي العديد من العائلات، فهناك عبد الرحمن، ٣٣ سنة: أخبره الأطباء بأنه فقد جزء كبير من كفاءة الرئة مما يعرضه لخطر الموت خلال سنين قليلة.
كما أمل صاحبة الثلاث سنوات التي لم يمر على انتقالها للوادي سوى ستة أشهر وقد أصيبت بالربو مما استلزم علاجًا مستمرًا. بطل آخر يطل علينا من مشهد الألم، أحمد ذو الأحد عشر عام والذي يحتاج إلى جلسات علاج يومي. اكتشف مهدي أيضًا أن أطفال الحي الصغار ولدوا بأمراض رئوية ورثوها عن أهلهم.
استخدم مهدي التصوير بالأبيض والأسود لتوصيل أحاسيس خاصة حيث قال أنه لا يوجد مجال للألوان فالمشهد كله غارق في الأتربة والرماد. فقد امتدت آثار هذا التلوث ليس فقط لتطول صحة السكان بل أنها أثرت بشكل مباشر على صحتهم النفسية.
من هنا تكمن أهمية توثيق الحدث حيث أن الغرض منه ليس مهاجمة الحكومة بل تسليط الضوء على الأوضاع، حيث أن المصور مهدي ليس منحاز مع طرف ضد الآخر، بل أنه فقط يريد كشف الحقائق بأمانة تاركًا الحل لمن بيده مقاليد الأمور.
سنحت الفرصة لمهدي وأعطى مساحة لعرض أعماله في ممر كوداك بوسط القاهرة مما أدى الى الوعي بالمشكلة وآثارها المدمرة، مؤديًا إلى تحرك السلطات بإلزام المصنع بتركيب فلاتر للحفاظ على صحة القاطنين بالمنطقة.
امتدت آثار هذا العمل وتم تكريمه عالميًا من الـ نيويورك تايمز(NEW YORK TIMES)، وقد نال هذا العمل استحسان المجتمع الدولي والمهتمين بالشأن البيئي.
قال محمد مهدي:“مش لازم اسافر العالم علشان احكي قصة“.
يقام المعرض في غرفة P٠٥٩، في قاعة عبد اللطيف جميل و ينتهي في مارس ١٧.