صورة الجسد بين ضغوطات المجتمع وعيادات التجميل
كتابة: بسنت شحاتة
محررة بقسم اللغة العربية
الإناث في الشرق الأوسط والمجتمعات الأبوية عامةٌ وفي مصر خاصةٌ، نشأنّ داخل إطار محدد مسبقًا من قِبل الأسرة والمجتمع، فكل ما يخص تصرفات واختيارات وجسد الأنثى في تلك البقعة من العالم هو شيء محدد مسبقًا بداية من ملابسها، أسلوبها في الكلام، أهدافها، التي بالطبع يجب أن تنتهي بالزواج وإنجاب الأطفال، ولا سيما المظهر الخارجي.
دائما ما تستخدم الإعلانات عارضات أزياء من الإناث حتى إذا كان المنتج غير موجه للسيدات تحديدًا، أما إذا كان كذلك، خاصةٌ إذا كان إعلان لمنتج تجميلي، فهو لا يخلو من فرض مقاييس للجمال تترسخ في عقول البنات والسيدات لإيصال رسالة ضمنية بأنك إذا كنتِ لا تشبهين تلك العارضات فأنت على الأغلب لستِ جميلة.
رغم الوعي المنتشر مؤخرًا عن عدم مصداقية مقاييس الجمال المجتمعية، فعلى سبيل المثال النظرة الدونية للشعر المجعد (الكيرلي) أخذت في الاختفاء وأصبحنا نرى الكثير من الفتيات فخورات بشعرهن الطبيعي ولا يسعين لجعله مفرود وانسابي كما كانت تدعو بعض إعلانات منتجات الشعر، ولكن الشعر المجعد أصبح ترند أو موضة يسعى الجميع لاتباعها بسبب من اتبعها من مشاهير وممثلات وليس من منطلق الاحتفاء بالمظهر الطبيعي وعدم الرغبة في الانصياع وراء مقاييس الجمال الأوروبي بل صنع مقاييس مثالية جديدة.
أصبح صاحبات الشعر المفرود يسعون لتحويل شعرهن للكيرلي من خلال شراء منتجات غالية، وكذلك الفتيات صاحبات الشعر المجعد يشعرن أنهم بحاجة لشراء المزيد من المنتجات؛ لجعل شعرهن ذو تموجات مثالية وكثيف مثل المشاهير وبطلات إعلانات منتجات الشعر الكيرلي التي تصطنع تمكين المرأة وتشجيعها على تقدير مظهرها الطبيعي، وهي في الواقع تفعل العكس.
فبعد أن انتهت موجة تفتيح البشرة التي كان رائدها الأشهر مالتي، وكانت لا تخلو من عنصرية واضحة تجاه سُمر البشرة، أخذت فكرة “التفتيح” اتجاه آخر، إذا كنتِ عضوة في أحد مجموعات الفيسبوك المخصصة للفتيات فبالتأكيد تلاحظين كم المنشورات المتعلقة بعيادات التجميل والليزر، فمثلاً هناك جروب شهير يجمع الفتيات المقبلات على الزواج يستفسرون من خبرات الأخريات في أمور تخص الجهاز والتشطيب وشراء ملابس العروس وغيرها من أشياء غير مهمة يجب شراءها قبل الزواج لأن كذلك قال أجدادنا، ولكن نسبة كبيرة جداً من منشورات ذلك الجروب تخص “شراء” وتجهيز السلعة الأهم في الزواج؛ المرأة. بجانب المشاركة في شراء الأجهزة المنزلية وتأثيث المنزل، تدفع الفتاة المصرية المقبلة على الزواج آلاف الجنيهات على تجميل نفسها استعدادا للمشتري؛ الرجل، الذي ترسخ في ذهنه شكل معين لجسد المرأة ومتوقع أن يجد عليه عروسه، مثل شبح اسمرار البشرة، فتدخل النساء في دوامة جلسات تفتيح البشرة في الصورة، وهنا لا نتكلم عن الوجه ولكن عن الجسم بالكامل، ولا يقف الأمر عند وضع الكريمات، نسمع العديد من المصطلحات لأنواع مختلفة من التفتيح، “تقشير كيميائي”، “تقشير على البارد”، “تقشير أخضر” وغيرها من العلاجات باهظة الثمن، عديمة الفائدة، تحل مشكلة لا وجود لها.
تقول مدربة الصحة الجنسية والإنجابية ومؤسسة منصة Motherbeing، نور إمام في فيديو لها عبر منصتها أن بعض جلسات التفتيح تعتبر متاجرة بمشاعر عدم الثقة بالنفس عند الفتيات (insecurities) أو نقاط عدم الأمان المتعلقة بجسدهن بسبب التوقعات الغير واقعية التي يفرضها المجتمع. وتقوم بتقديم معلومات مغلوطة ة٬ وهو ما لا تقوله عيادات التجميل.
المجتمع الذكوري الأبوي يتسم بعدة أدوات يستخدمها لقمع المرأة والتحكم في اختياراتها، ولكن أشدها قسوة هو تلك المقاييس الجمالية التي تشيئ المرأة وتُفرض على الأنثى منذ طفولتها عن طريق الإعلام والإعلانات لأنها تضر بصحتها النفسية بسبب عدم شعورها بالأمان داخل جسدها وشعورها بالخزي من صفات طبيعية بل وأحيانا صحية، وتسعى طوال الوقت لتغييره، فتدفع الغالي والنفيس لتكون بيضاء ملساء خالية من العيوب، فإن قيمتها تتلخص في تقييمها كسلعة يجب أن تعجب المشتري ذو التوقعات الغير واقعية ليدفع أكثر.