فإن لنفسك عليك حق
كتبت: سماء حسام
عادةً ما يلقبني الأهل والأصدقاء بالـ “نسّاية”، فلم أصب يوميًا تذكر تواريخ ميلادهم، تخصصاتهم الدراسية، وصولًا إلى أبراجهم الفلكية، حاولت جاهدة التظاهر بعدم نسيان هواياتهم وطموحاتهم، ولكن كل محاولاتي تبوء بالفشل مع السؤال الأول الذي أتلقاه في محاولة اختبار معلوماتي العامة: “سماء، أنت فاكرة حتى ايه أكتر لون بحبه؟” قبل أن أحضر مجرفتي المفضلة التي تساعدني على الانشقاق داخل حفرة تحفظ ما تبقى من ماء وجهي.
ربما يرجع سبب امتلاكي ذاكرة سمكة إلى انشغالي باكتشاف كل ما هو محيط، وذلك يشمل ممارسة رياضة جديدة حتى فحص آلية صناعة مضرب الكيك، أوقعني فضولي الدائم في ورطة تشتت الانتباه بالإضافة إلى الإجهاد الذهني، ومع ذلك، لم أعجز أبدًا عن تذكر ذكريات الطفولة التي تراودني بين الحينة والفينة في محاولة لترسيخ دروس لم ترد داخل كتب دراسية، دروس شكلت ماهيتي الإنسانية التي تتعاطف بالقلب قبل استشارة العقل، دروس أرغمتني على حفظ حقوق ذاتي، والأهم، من ذاتي.
استشعر ضربات فؤادي التي كانت تتسارع بعد انتهاء الدوام الدراسي معلنة عن إمكانية مشاهدة أفلام الرسوم المتحركة، وفي أحد المرات، وقع الاختيار على فيلم يحكي عن سباق سيارات، كان البطل سيارة حمراء تدعى برق بنزين، تستعد للمشاركة في السباق بكل ما أوتيت من قوة؛ ابتداءًا من السفر عبر المحيطات، وصولًا إلى معسكر إعداد المشتركين الذين يحصلون على تدريبات قاسية.
وبعد ليالي من التدريبات بدون كلل أو ملل، استطاع برق التأهل إلى السباق رغم الصعوبات، وبدأت المنافسة بانطلاقة نارية بين سيارات ذات خبرة، مهارة وطموح، واتذكر وصول المباراة إلى نصف الوقت وإذا اتفاجئ بدخول السيارات واحدة تلو الأخرى إلى استراحة التجهيز، إلا واحدة.
“ماذا يحدث؟ لماذا توقف برق مع السيارات بينما لديه مهمة الفوز ينجزها؟ أين يذهب برق تاركًا الهدف الذي يحلم به منذ أن كان سيارة ملاكي لا تجيد التسابق؟” هذه الأسئلة تملكت حواسي أثناء حالة الذهول التي أصابتني في محاولة لتفسير الموقف بأنه مؤامرة ثعبانية تدبرها السيارات للتفوق على بعضهم البعض.
قاطعت أمي غيمة الشكوك التي كادت أن تمطر الغرفة بالأسئلة قائلة: “هم دخلوا الاستراحة عشان يكملوا”، لم أفهم تلك الكلمات التي بدت لي تفسيرًا قبل أن تشير بأناملها إلى جراج تغيير عجلات السيارة، والذي يتواجد بجانب خزان البنزين الذي لم يتوقف عن تعبئة الوقود لسيارات السباق، وفي الوقت ذاته، تناثرت شراشرة السيارة التي فضلت المكوث في مزمار السباق بهدف التقدم على منافسيها، قبل أن تحترق رمادًا رمادًا.
أحيانًا كل ما نحتاج إليه هو استراحة قصيرة لكي نستطيع أن نكمل طريق تحقيقنا الهدف، لا بأس إذا تراجعنا بعض الخطوات من أجل الاندفاع كالسهم، حيث أن الاستراحة تزيد الإنتاجية وتمنع تراكم الشعور بالإجهاد والتعب، كما أنها تساعد علي إعادة تدفق الدم وتجديد النشاط.
لم أكُن لأُصدق إنني سأتمنى أن أصبح يومًا برق الذي يتسابق في معركة الحياة لكي يتفوق في الدراسة، العمل المهني، أنشطة خارج المنهج، حياة اجتماعية، وحتى التخطيط لمشاريع المستقبل، ولكن أصبحت أخصص أربع ساعات من يومي كوقت زائد؛ ساعات يمكنني أن أنام خلالها في سبيل الانتهاء من إنجازات بشرية لن تفني المجرة إذا عجزت عن إتمامها.
أما عن تغيير الإطارات والبنزين داخل هذه الاستراحة، كل ما يمكنني قوله هو “دلّع نفسك”، وكافئها بقطعة من الشوكولاتة، بمشاهدة فيلم لطيف، رحلة قصيرة مع الأصدقاء، أو طلاء أظافرك بلونك المفضل، فإن لنفسك عليك حق، وحقها أن تحفظ حقوقها من نفسك التي تسعى للكمال.
ماذا عن صحتنا النفسية؟ ربما يمكنني الاعتناء بها بعد الانتهاء من المهام التي نسعى لإنجازها، ولكنها بالمناسبة لا تنتهي، أكتب هذه الكلمات لأن السيارة تعاند وتكابر عندما نحدثها عن ضرورة الدخول إلى الاستراحة، أكتب لعل مصيرها ينحرف عما آلت إليه السيارة التي فضلت الاستمرار دون أن تستريح، خاصة وأن الشرارة يتلوها انفجار حتى إن انصاعت السيارة للاستراحة بعدها، سيكون قد فات الأوان.