مسجد الحاكم بأمر الله من منظور تاريخي
تقرير: زينة شهاب
تمتاز مصر المحروسة بعدد الحقب التي مرت بها منذ عصر قدماء المصريين وحتى إلى يومنا هذا والتي من خلالها اكتسبت العديد من الثقافات ليصبح تاريخها من الأكثر تشويقًا بين بلاد العالم.
تعد فترة الحكم الفاطمي (٩٦٩م – ١١٧١م) من أبرز الفترات التي عاشتها مصر وتظل هذه الفترة حية إلى الآن لتركها معالم أثرية مشهورة وعمارة مميزة مثل شارع المعز لدين الله الفاطمي الذي يقع بمنطقة الجمالية بالقاهرة.
يعد شارع المعز من أشهر المناطق السياحية التي لا يُفوت سائح زيارتها ولا يفوت مصري التجول والتسوق والتنزه فيها، ولكن ما عدد المصريين وخاصةً الشباب والأجيال الجديدة الذين يعرفون تاريخ هذا المكان؟
لدخول شارع المعز الذي يحاط بجدران عالية يجب البدء من باب الفتوح، وعلى بعد خطوات قليلة على الجانب الأيسر يوجد مسجد كبير يسمى بمسجد الحاكم بأمر الله، قال المرشد السياحي أسامة الزغبي: “هو ثالث الخلفاء الفاطميين في مصر وحكم من ٩٩٦م حتى ١١٧١م، وسميت فترة حكمه بالاضطراب الشديد لشخصيته المذبذبة واتخاذه قرارات غريبة ومتناقضة”.
الملفت للنظر هو أن أثناء التجول في شارع المعز لم يكن لدى أحد المارة أو العاملين بالمحلات التي تقع امام المسجد أي معلومة عن تاريخ المسجد أو عن صاحبه. فقرر عم سعيد، أحد أصحاب ورش الفضة والنحاس البالغ من العمر ٦٠ عامًا، أن يشارك مع القافلة معلوماته التاريخية: “مصر عدا عليها حكماء وثقافات كثيرة من ضمنها الفاطمية، والحاكم بأمر الله ده كان بيغير أديانه، والمئذنة بتاعة الجامع حولها منارة كنيسة ورجعها تاني. بالرغم من صغر سنه إلا أنه كان شديد وأوامره تنفذ”.
عارض الزغبي هذه المعلومة قائلًا أنه بالفعل بدأ الحاكم بأمر الله حكمه بقدر كبير من التسامح مع المسيحيين واليهود ولكن مع الوقت تشددت سياسته تجاههم. تأييدًا لهذا الكلام، يقول بعض المؤرخين في كتب التاريخ أنه أمر بهدم كنيسة القيامة مما تسبب في الحملات الصليبية.
وعلى غير العادة في مصر، تقوم مجموعات من المسلمين المنتمين للمذهب الشيعي بالصلاة في مسجد الحاكم بأمر الله مما دفع الفضول بتوجيه سؤال لأحد حراس المسجد يدعى علي محمد، عن سبب صلاتهم بهذا المسجد تحديدا وقال: “دول معظمهم هنود والحاكم بأمر الله مقدس عند طائفة شيعية اسمها البهرة عشان كدة بييجوا يزوروه”.
عادةً ما تتخذ عملية الترميم أشكال مختلفة والجدير بالذكر أنه قد توجه لذلك بضعة انتقادات بسبب عدم الالتزام بالأساليب الترميمية التي تحافظ على هوية المكان الأثري. وفي إطار ذلك، قال إحدى الصنايعية في الجمالية، الأسطى أيمن موسى: “المشكلة ان اللي بييجي يرمم مش بيبقى عن فهم لقيمة المباني والتاريخ وبالتالي الحاجة بتفقد قيمتها الأثرية”.
وقد تطرق لذلك جلال الشايب، الأستاذ بكلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان، لهذا الأمر من قبل في إحدى ندواته قائلًا: “تسبب الترميم في تغيير معالمه الأثرية وأصبح مبنى جديد بعد أن أهدروا قيمته الأثرية التي تعود لألف عام ولم يتبق من قيمته التراثية سوى المئذنتين”.
مسجد الحاكم بأمر الله ليس فقط مبنى قديم من جدران ومئذنة لكنه منبع لتاريخ وحقبة زمنية طويلة مرت بها مصر وثقافات وسياسات مختلفة يجب معرفتها لأنها تظل حاضرة حتى الآن لكننا غافلون عنها.
والجدير بالذكر هو أن قلة وعي الشباب بالمعالم الأثرية ينتج عنه عدم فهم للقيمة التراثية التي تحملها تلك المعالم وكيفية الحفاظ عليها دون إهدار هويتها. وعلى هذا المنوال، طالب كل من الزغبي، باعتبار أنه مرشد سياحي، وعم سعيد كإحدى سكان هذه المنطقة، أن يقدموا مقترحات لإيجاد حلومثل أن تصقل المناهج الدراسية التعريف الأثري والتاريخي بقدر أكبر من القدر الحالي، وبالطبع عدم تسليم الآثار لمن هم غير مختصين في علم الأثار.
أضاف الزغبي قائلًا: “البرامج الإعلامية الجذابة ومشاركة الشباب الyoutubers والinfluencers يعد شيئ مهم جدًا في زيادة الوعي الثقافي”. في إشارة منه إلى أن البلاد تستند على الوعي الثقافي ومعرفة التاريخ لبناء المستقبل.