محمود ياسين: مبدع عملًا وحياةً
تقرير: زينة ابراهيم
فُجِعَت السينما والدراما المصرية منذ عدة أيام بخبر رحيل أيقونة الفن المصري والعربي، الفنان محمود ياسين عن عمر يناهز ٧٩ عامًا.
ولد محمود فؤاد ياسين في مدينة بورسعيد عام ١٩٤١، وبدأ مشواره الفني على خشبة المسرح منذ أن كان طالبًا وشهد على ذلك زميله في الدراسة وعشرة عمره المخرج المسرحي والفنان سمير العصفوري أنه كان دائمًا متألقًا وكان مغرما بالتمثيل من صغره. التحق أيضًا بالمسرح القومي في الستينيات حيث شارك في العديد من الأعمال المميزة مثل: “ليلى والمجنون” و”البهلوان”.
انطلق في السينما والتليفزيون عام ١٩٦٨ ليقوم بأدوار صغيرة حتى أتيحت له الفرصة أن يلعب أول دور بطولة له أمام الفنانة الراحلة شادية عام ١٩٧٠ في فيلم (شيء من الخوف) ومن بعد ذلك توالت الأفلام. علّق الفنان هادي الجيار: “من وهو بيشتغل مع شادية وبعد كام أسبوع من التصوير، ابتدى اسمه يتعرف أو يطرح”.
لم تقتصر موهبته على التمثيل المسرحي والسينمائي فقط، فقد كان بصوته المميز وإجادته للإلقاء باللغة العربية الفصحى الصحيحة يشارك في العشرات من المسلسلات الإذاعية، وهنا أضاف الفنان هاني رمزي أن ياسين “كان له تميز غير عادي في صوته ونبرة صوته ولذلك نجح في الاذاعة كمان مش بس سينما ومسرح”. كانت له العشرات من الأعمال المميزة مثل “سنة أولى حب” في عام ١٩٧٤ وآخرهم “نقطة نور” عام ٢٠١٣ وكانت هذه الفترة هي فترة ابتعاد ياسين عن الساحة الفنية حتى اختفى تمامًا بعد أن تمكن المرض منه وحرم جمهوره من ظهوره المتألق الذي طالما اعتدنا عليه.
قالت سماح سمير، الإعلامية بشبكة قنوات أوربت: “بدايته كانت في بورسعيد كانت على يد نصر الدين غريب، أستاذ من أساتذة المسرح”.
ياسين هو أيقونة تستحق أن تُدرّس في مجال الفن المصري والعربي لكونه بارع في تأدية أدوار رومانسية و تراجيدية وكوميدية بجدارة وبدون أن يشعر المشاهد باصطناع أدائه. كما أنه يتميز بهدوء تعبيراته وسلاسة أدائه عندما يقوم بأدواره الصعبة وكان يشتهر بإخلاصه في عمله ودراسته لأي شخصية يقوم بها، قالت الإعلامية سماح سمير للقافلة: “قبل أي تصوير كان يغلق على نفسه ويمنع اي شوشرة حتى يتمكن من أداء الشخصية”.
انقسمت حياة الفنان محمود ياسين إلى ثلاثة عوالم؛ العالم المهني والعالم الشخصي وأخيرًا وليس أخرًا عالم الشهرة والمحبين. من عاشره على المستوى المهني يجهله على المستوى الشخصي والعكس صحيح، لكونه شخص كان يفضل أن يفرق بين عمله وحياته الشخصية.
على المستوى الإنساني والاجتماعي، شهادات زملائه وكل من تعامل معه تكفي للتعبير عن مدى حب واحترام من حوله له، ومن هنا قام المخرج علاء محجوب بوصفه على المستوى الإنساني في حوار خاص مع القافلة قائلًا: “محمود ياسين كان بطل أول أفلامي. كان إنسان محترم ويقدر من يعمل معه من فنانين وفنيين ولاحظت أنه يحترم الجميع والعكس صحيح. كان يبارك لأي فنان نجح في عمل بفرحة وتواضع”.
تميزت الكواليس مع الفنان ياسين بالألفة والمرح وأشار لذلك الفنان هاني رمزي: “في الكواليس هو كان بيحب يجمع الناس من العمال والفنيين، وكان يقعد يحكي ويضحك وبيهزر معاهم كل يوم، كان شعور بأنه مش شغل وبس، لا كان لقاء عائلي كمان”.
لم تكن له عدائات وخلافات على المستوى الفني لكونه غير تصادمي حيث قال الفنان صبري فواز للقافلة: “كل الناس علاقته بيهم كويسة سواء اشتغل معاهم أو لا”. كان أيضًا من المتعارف عنه أنه كان يحب مساندة الجيل الجديد من الفنانين وتشجيع كل من حوله، فقال عنه هشام المليجي: “لا يبخل في إعطاء النصيحة ويرشد باسلوب جميل”.
أما بالنسبة إلى المستوى الشخصي في بيته وبين أسرته والمقربين إليه، كان يمثل الأب الروحي للكثيرين والترابط الأسري بين فريق أي عمل يقوم به، مما يثير الفضول بمعرفته كأب ورب أسرة والذي كانا من أهم أدوار حياته.
تحدث نجله عمرو محمود ياسين، الفنان السيناريست للقافلة قائلًا: “يمكن محدش يعرفه كأب زي منا عرفته، الحقيقة إن بابا هو سبب في أي شيء طيب حصلي في حياتي وأي صفة جيدة الناس بتشيد بيها فهي مجرد محاولة مني إني أقلده أو أكون مثله في احترامه للآخرين، في التزامه، في إخلاصه في شغله، في حبه للناس، وفي رغبته في المساعدة”.
تابع ياسين أن والده كان شخصية استثنائية وبالرغم من انشغاله إلا أنه لم يقصر في حق أبنائه ولم يشعرهم أبدًا بأنه لم ينتبه إليهم، بل كان دائمًا السند والأب والظهر. ثم أضاف: “كنت أشعر بقوته وتأثيره على من حوله.”
يقول الفنان هشام المليجي:”ما يكون عليه الممثل من جمال خلق ونفس يدركه المشاهد من خلال الأدوار المتعددة التي يقوم بها الممثل وكذلك يكشف شخصيته الحقيقية من اللقاءات والحوارات”. شهادات كل من تعامل مع شخصية ياسين سواء على المستوى الشخصي أو المستوى المهني لا تختلف كثيرًا لاعتباره شخص طيب ويتعامل مع الجميع بلطف واحترام. لا ينقص هنا سوى رؤيته من خلال أعين جمهوره ومن لم يره إلا من خلال أعماله.
قالت نيفين المهدي، رقيبة دراما في القنوات الفضائية المصرية للقافلة: “محمود ياسين من أعلام المسرح والسينما والتليفزيون المصري لأنه مثقف جدًا ومتمكن جدًا من أدائه وأدواته. سر نجاحه في مختلف الشخصيات يرجع لثقته بنفسه وحبه والتزامه واخلاصه الشديد لمهنته”.
ويعتبر ياسين منهج قوي في مجال دراسة طلاب معهد سينما، أشارت سهيلة رمضان، طالبة بالمعهد العالي للسينما ، إلى أن ياسين مَثل ومنهج يقوم الطلاب بدراسته لتعدد الشخصيات المختلفة التي قام بها سواء على المسرح أو على شاشات التليفزيون والسينما.
ويبقى ياسين علامة في الفن المصري وسيظل مثالًا يُحتذى به على كل المستويات؛ الإنسانية والثقافية والفنية بكل ما تركه من تراث وبصمة مميزة قبل وفاته.