اجدد المقالات

كيف تشكل “الأسرة المصرية” هوياتنا الجندرية؟

تقرير: زينة حنفي وعائشة الجعيدي

تحرير: ماسة أحمد

تصوير: جمانة لبيب

لا يمكن إنكار دور الأسرة في البنية الاجتماعية والثقافية، فعلى سبيل المثال، اعتاد المصريون أن يعيشوا مع أسرهم إلى أن يصلوا إلى سن الزواج، ونظرًا لكون مصر مجتمعًا جمعيًا إلى حد كبير، فإن متطلبات وتصورات أسرة الفرد تهيمن عمومًا على احتياجاتهم الشخصية أو رغباتهم، وللقيم العائلية التقليدية دور مؤثر للغاية في حياة الفرد واختياراته.

إن اعتماد أفراد الأسرة والمجتمع على بعضهم البعض يضع على الأشخاص ضغطًا معينًا لتبني معايير وقيم الأسرة، بما في ذلك السلوكيات المناسبة للهويات الجنسية.

نظرًا لهذه الأهمية الكبيرة لبنية الأسرة في المجتمع المصري، فالسؤال هنا، كيف يتم توزيع الأدوار الجندرية السائدة داخل الأسرة المصرية؟ كيف يتم تبني السلوكيات “الملائمة” بين الجنسين وتأكيدها من خلال التفاعلات الاجتماعية؟

هناك مَثل مصري شعبي سائد يقول “الراجل مايعيبوش

غير جيبه”، بينما يشيع مَثل آخر في الأرياف وهو “يا وحشة كوني نغشة”، هذه المفارقة الكبيرة حول قيمة الذكر المتمثلة في المال وقيمة الأنثى المتمثلة في الجمال إشارة إلى تشكيل الثقافة الشعبية لتصوّر كل من الرجل والمرأ جنسهم والسلوكيات المفترضة المصاحبة له.

لا تنحصر هذه التحديدات الدقيقة والصريحة أحيانًا حول السلوكيات والأدوار “الرجولية” و”النسائية”، بل تتخذ نطاقًا أوسع عندما تتبناها وتسهم في انتشارها وترسيخها المؤسسات الاجتماعية ووسائل الإعلام. 

أثبتت الباحثة الفرنسية “آن فاجوت”  في عام ١٩٧٨هذه الفكرة من خلال دراسة نفسية أجرتها عن كيفية تأكيد الهويات الجندرية وترسيخها من قبل الوالدين منذ الولادة.

لاحظ الباحثون أربع وعشرين أسرة لكل منها طفل يتراوح عمره بين عشرين وأربعة وعشرين شهرًا، وردود أفعالهم تجاه سلوكيات أطفالهم. 

كان لدى الباحثين أيضًا قائمة مرجعية حيث طُلب من كل والد تقييم ٤٦ سلوكًا على أنها أكثر ملاءمة للفتيات أو الأولاد أو الحيادية، ووجدت الدراسة أن الآباء تفاعلوا بشكل أكثر إيجابية مع الطفل عندما انخرطوا في سلوك مفضل اجتماعيًا لجنسه المحدد، وأبدوا ردود فعل سلبية عندما انخرط طفلهم في سلوكيات محددة مفضلة للجنس الآخر أو حيادية.

لاحظت فاجوت أن الآباء أعطوا الأولاد ردود فعل إيجابية عندما لعبوا بالحجارة وردود فعل سلبية إذا التقطوا دمية على سبيل المثال. 

من ناحية أخرى، كان رد فعل الآباء تجاه الفتيات أكثر إيجابية حين تعاملوا مع الدمى وأكثر سلبية إذا شاركن في أنشطة حركية مثل الجري وإحداث الفوضى.

استنتجت الدراسة أن الأيديولوجيات والسلوكيات الجندرية السائدة تنتجها عوامل ثقافية واجتماعية ترجع إلى الآباء على وجه الخصوص، ورأت فاجوت أن الهويات الجنسية يتم تأكيدها وتكوينها من خلال محيطهم وتبدأ عندما تغرس الأسرة القيم والمعتقدات للأطفال حول طبيعة جنسهم.

مع مثل هذه القيود والحدود الصارمة التي تحدد ما يُتَطلب من كل جنس، أصبح من الصعب على الأشخاص الذين لديهم اهتمامات وتفضيلات مختلفة لجنسهم أن يتصرفوا بشكل مختلف عما هو متوقع منهم مسبقًا. يمكن أن تتسبب فكرة بناء دور اجتماعي محدد في حدوث أزمة وجودية مربكة للرجال والنساء الذين يحاولون الطعن في الفهم السائد لجنسهم، وبالتالي قد يؤدي ذلك إلى التشكيك في الجنس المحدد.

عندما سألت القافلة عددًا من الطلاب عما إذا نشأوا وهم يسمعون تعليقات حول السلوك الجندري (المناسب)، أجابت الطالبة فرح سليمان: “نعم بالتأكيد لأن لدي أخ، لذلك هناك فرق كبير بيننا منذ الطفولة، بينما حصل هو على السيارات ليلعب بها، أعطوني أنا الدمى”.

عادة تعلق العائلات وتنتقد ملابس أطفالها إذا كانت لا تناسب أو تبرز جنسهم حيث تابعت سليمان: “يجب أن أرتدي ملابس معينة، فلا أستطيع مثلًا ارتداء السراويل الرياضية لأن العائلة تفضل أن أرتدي قطع أكثر أنوثة”.

واستطردت: “لا يمكنني ارتداء ملابس صبيانية أو أحذية رياضية، يجب أن أرتدي الصنادل وأطلي أظافري وأسرح شعري ذيل حصان مرتفع حتى أبدو كفتاة”.

بعض الطلاب قالوا إن هناك قواعد لا يتم ذكرها مباشرة من قبل الآباء، ولكنها تصدر على هيئة رسائل ضمنية يتم تأييدها من قبل الأصدقاء ووسائل الإعلام مثل “الرجل لا ينبغي أن يبكي”.

تحدث حسين فريد، طالب في كلية الهندسة قسم الإلكترونيات والاتصالات عن هذه المشكلة: “كرجل، لا ينبغي أن أبكي في العامة، لقد لاحظت أن الناس لا يتقبلون أن يظهر الرجل ضعفه على الملأ”.

على غرار دراسة فاجوت—التي أُجريت في مجتمع مختلف تمامًا عن المجتمع المصري—تتشكل الهويات والسلوكيات الجنسية أو يتم تعزيزها في المجتمع المصري من خلال العائلات. 

في مرحلة النمو، يتبنى المراهقون معايير النوع الاجتماعي من والديهم ويتعلمون السلوكيات المقبولة اجتماعيًا فيما يتعلق بجنسهم من المجتمع. يتم إنشاء فكرة القوالب النمطية المبنية على أساس الجنس وغرسها في الأفراد منذ الولادة، أي اللحظة التي يتم فيها تسليم الأطفال ألعابًا خاصة بنوع الجنس للعب بها. 

إن وجود مثل هذه الحدود والمعايير الصارمة التي تحدد الجندر له آثار عميقة على هذا الفرد عندما يكبر؛ لأنه يحد من قدرات الرجال والنساء على النمو بشخصياتهم الفريدة وتطوير خياراتهم الخاصة بشأن حياتهم.

قد يتمكن البعض من التغلب على هذه القوالب بعدما يكبرون ويصبحون أكثر وعيًا وانفتاحًا وقدرة على اتخاذ قرار مواجهة تلك الصور النمطية ومحاولة تغييرها، ليس فقط في أنفسهم، بل في محيطهم. خصوصًا، في ظل الجهود النسوية المتزايدة لإعادة النظر في الثقافة الأبوية التي تفرض سيطرتها من خلال فرض نمط حياة معين لا يمكنهم تجاوز خطوطه الحمراء.

روت الطالبة منى سليم تجربتها مع محاولة تغيير السردية السائدة قائلة: “أتذكر ذات مرة أنني كنت ألقي خطابًا حول أن معظم قادة العالم هم من الرجال، وتحدثت عن أن عدد قليل من القيادات النسائية تمكن من تولي مناصب مهمة و استطعن خلق توازن بين مناصبهن وبين حياتهن في نفس الوقت” وأضافت أن هذا لم يلق إعجاب والدها.