أين ذهبت لغتنا الأم؟
تقرير مريم مظهر
تقع مصر تحت مصنف “دولة عربية”، حيث أن هويتها تعتمد إعتماداً كلياً على عروبتها، ومع ذلك يُنشأ بها أجيال ضعيفة في فهم اللغة العربية الفصحى والتحدث بها بطلاقة.
يعتبر بعض الطلاب الملتحقين بالمدارس الدولية أن دراسة مادة اللغة العربية عبء كبير عليهم، وكما علق محمد زكريا، رئيس قسم اللغة العربية بالقسم الأمريكي في مدرسة إيليت الدولية، أن الطلاب لا يتقبلون المادة باعتبارهم ضعفاء بها وأنها غير مؤثرة على مستقبلهم.
وأضاف زكريا، “يدرس الطالب في السنة الواحدة كم كبير من المعلومات في منهج مادة اللغة العربية، ويتم تكديس عدد مهول من الدروس التي لا تحمل أي قيمة أو مجاراة للعصر الحديث.”
تتكاثر أسباب هذه الأزمة سواء كانت من إدارة الجامعة أو أولياء الأمور أو الطالب نفسه. وفقاً لزكريا، بعض المدارس الدولية لا تهتم باللغة العربية بشكل كبير لأنهم يهتمون بالمواد التطبيقية أكثر لاعتقادهم أنها أهم في تحديد الطالب لمستقبله قبل التحاقه بالجامعة.
قال زكريا، “هذا يجعل أكبر مشكلة ترتكبها تلك المدارس أنها لا تضع المادة في المجموع الأساسي وكلنا نعلم حال المادة التي لا توضع في المجموع.”
قال آسر حنجل، خريج مدرسة أوازيس الدولية، “لم أختر اللغة العربية في المواد المختارة بمدرستي بعد الصف العاشر، لأنني لست جيدا في القواعد اللغوية والأدب مما يجعل اختيار المادة صعبا.”
وأضاف زكريا أن أولياء أمور هؤلاء الطلبة ينحصر همهم الأول، منذ نعومة أظافر أبنائهم، على الاهتمام باللغة الإنجليزية على حساب تنمية اللغة العربية. يدرس الطالب اللغة الإنجليزية باهمام بدايةً من اشتراكه بالحضانة، مروراً بالمدرسة، حتى يلتحق بالجامعة، مع العلم أنهم من أهم الفترات لاكتساب اللغة العربية في سن النمو.
قالت بسنت خضير، خريجة مدرسة المنصورة كولج الدولية، “اللغة العربية كانت تدرس بشكل جيد في القسم الثانوي بمدرستي، عكس النظامين البريطاني والأمريكي، حيث كانت أوقات فصول العربي بمثابة وقت الفراغ.”
وضحت خضير أن المعلمين كانوا يساعدون الطلبة أثناء إجرائهم للإمتحانات وكان هدف الطلبة الوحيد هو النجاح في الإمتحان الوزاري في أخر سنة.
قالت خضير لفريق القافلة، “قال أحد المدرسين في فصلها مرة “أعلم أنكم لا تهتمون بهذه المادة ولا تحتاجوها للإلتحاق بالجامعات” واكتفى بعدم شرح أي شيء.”
وضح زكريا، “نتج عن كل هذا عدم الاهتمام بالشكل المرغوب به في اختيار معلمي اللغة العربية أصحاب الكفاءة المؤهلين للتعامل مع اللغة في هذا المجال الصعب. فبالتالي، هذا يؤدي إلى التهميش الذي يشعر به المعلمون في مستوى الرواتب عن باقي أعضاء هيئة التدريس للمواد الأخرى.”
تقع هذه المشكلة في معظم المدارس الدولية في القاهرة والمحافظات الأخرى، ولكن هناك مدارس ومعلمون يحاولون بذل المجهود لتغيير هذا الأمر الواقع.
إقترح زكريا أنه من الممكن إعادة تأهيل المعلمين من خلال ورش عمل، وتدريبهم على تعلم طرق وأساليب تدريس اللغة بشكل مختلف، مستعينين بطرق تدريس اللغات الأخرى خاصة اللغة الإنجليزية.
وأضاف أن يجب على المدارس تغيير سياسة التعامل مع اللغة العربية كمادة مهمشة، ووضع معايير متطورة لاختيار معلمي المادة، والتركيز على مراحل التعليم الابتدائية لأنها تشكل الجزء الأكبر في العلاج.
قالت خضير،”أعتقد أن إهمال اللغة العربية أصبح جزء من ثقافتنا وأصبحت اللغة الإنجليزية علامة الإنتماء لشريحة وطبقة راقية من المجتمع.”
وقال حسين حموده، أستاذ بقسم الدراسات العربية والإسلامية في الجامعة الأمريكية، “بشكل عام طلبة الجامعة الأمريكية في تعاملهم مع اللغة العربية متفاوتين في مستويات متعددة، فبعضهم ممتازين والبعض الآخر أقل.”
وأضاف حمودة أن الطلاب قادرين على فهم اللغة العامية وأيضاً إن كانت اللغة في نصوص الأدب قريبة من اللغة الحديثة المستخدمة بشكل عام ولكن أن كانت تضم اللغة ألفاظ قديمة أو قادمة من قواميس أو تحتاج لقواميس يواجهون صعوبة في التعامل معها.
وأوضح حمودة “على مستوى استخدام اللغة في الكتابة يكون في بعض الأخطاء ولكن لديهم قدرة كبيرة على التعلم من الأخطاء.”
كما أضاف حنجل أنه يعتقد أن الطلاب أصبح تفكيرهم غربيا بشكل مبالغ فيه، وكان يتمنى لو أن مستواه كان جيدا في اللغة العربية، قال إنه كان يحب العربية حتى عمر الأربعة عشر و لكن مع كبر سنه تغيرت اهتماماته و أصبح يهتم بمستقبله أكثر.
لا تقتصر المشكلة على ضعف اللغة عند الأجيال الجديدة، لكن المشكلة في رأي الكثيرين تكمن في أن فقدان اللغة هو جزء من فقدان الهوية.
وضح زكريا لفريق القافلة، “معرفة اللغة العربية تساعد الطالب على الارتباط بجذوره المجتمعية وتقبل مشاكل المجتمع المتوارثة والسعي في حلها، وضعف المواطن للغة العربية هو الخطوة الأولى في ضعف الهوية والانتماء.”