ألعاب الفيديو تدخل المعامل: كيف تغيّر الجامعة الأمريكية بالقاهرة مستقبل علم النفس؟
تقرير: زينة الخولي
تحرير: منة الله زيد
تُعَد ألعاب الفيديو وسيلة ترفيه ممتعة يحبها الناس، ولكن هل من الممكن أن تُستَخدَم في المجال العلمي؟ يبدو هذا الأمر مثيرًا للاهتمام، وقد تحقق بالفعل داخل الجامعة الأمريكية في القاهرة. فقد أطلقت الدكتورة جاكلين بيري، الأستاذة المساعدة بقسم علم النفس، أول معمل تجريبي لعلم النفس في الجامعة، والذي يُعد أيضًا الأول من نوعه في مصر.
يعتمد المعمل على نهج غير تقليدي في دراسة العلوم الإدراكية، مستخدماً ألعاب الفيديو وتقنيات متطورة لتتبع حركة العين وتحليل الوظائف الإدراكية. يفتح هذا النهج آفاقًا جديدة في دراسة السلوك البشري وتطوير وسائل تشخيصية أكثر دقة وملاءمة للثقافات المختلفة.
تعد الدكتورة جاكلين بيري، خبيرة في علم النفس الإدراكي، وتركز أبحاثها على دراسة التفاعل بين الإنسان والحاسوب. وقد نجحت في تطوير منهج مبتكر لتشخيص الاضطرابات العصبية باستخدام أدوات أكثر دقة وأكثر استدامة.
منذ افتتاح المعمل العام الماضي، استضاف أكثر من مائة مشارك في دراسات مختلفة، كما يضم عشرات الطلاب من مرحلتي البكالريوس الدراسات العليا، الذين يشاركون في الأبحاث العلمية خلال كل فصل دراسي. مما يعزز دور المعمل كمركز بحثي متكامل.
في إطار سلسلة “لقاء مع خبير”، التي أطلقتها الجامعة هذا العام، ناقشت الدكتورة جاكلين بيري دور المعمل وأهدافه بحضور عدد الصحفيين وخبراء علم النفس. واختُتمت الفعالية بجولة وتجربة عملية داخل المختبر، مما أتاح للحضور فهماً أعمق لطبيعة الأبحاث التي تُجرى فيه.
لا يقتصر علم النفس على دراسة وظائف العقل البشري فحسب، بل يشمل تحليل السلوك البشري والتصرفات اليومية.
“عند التحدث بلغة غير لغتك الأم، فإنك تتحكم في استخدامها وفقًا للسياق. تُعرف هذه القدرة بالوظائف التنفيذية، وهي ضرورية لإدارة المهام اليومية كما تساهم في الوقاية من الأمراض العصبية مثل الزهايمر.”
يركّز علم النفس المعرفي على دراسة العمليات الذهنية التي يؤديها العقل، مثل الانتباه والذاكرة واتخاذ القرارات. ولذلك، فإن تشخيص الاضطرابات العصبية يتطلب إجراء اختبارات متخصصة لضمان دقة التشخيص.
في بعض الأحيان قد تكون هذه الاختبارات غير دقيقة؛ لأنها مصممة وفقًا للمعايير الغربية؛ مما قد يؤثر على دقتها عند تطبيقها في المجتمعات العربية. فترجمة الاختبارات غلى سبيل المثال قد تؤدي إلى تغييرات في معاني الأسئلة، مما يؤثر على دقة النتائج.
لهذا السبب، قررت الدكتورة جاكلين ابتكار منهج جديد لتشخيص الاضطرابات النفسية يتجاوز حاجز اللغة، مما أدى إلى ظهور فكرة مؤتمر “Coscie”، الذي يهدف إلى تعديل الاختبارات النفسية والعصبية بحيث تتماشى مع الثقافة المصرية، مما يسهم في تحسين دقة التشخيص.
ويُعد المؤتمر ثمرة شراكة بين مستشفى بهمان، وجامعة القاهرة، ومستشفى العباسية، بالإضافة إلى مؤسسات أكاديمية وبحثية في الولايات المتحدة الأمريكية، والدنمارك، وغواتيمالا، وأستراليا.
تقول د. ناردين سعد، استشارية الطب النفسي في مستشفى بهمان “أعتقد أن استخدام تتبع العين عبر ألعاب الفيديو سيكون أداة رائعة لتقييم الانتباه في اضطرابات مختلفة مثل القلق، اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط، والهوس. إحدى المزايا الرئيسية هي ما ذكرته الدكتورة جاكلين بشأن الحواجز اللغوية التي واجهناها في إجراء التقييمات التقليدية لوظائف التنفيذ، وصعوبة تطبيقها مع الأشخاص ذوي الإعاقات الذهنية أو غير المتعلمين.”
قررت الدكتورة جاكلين وفريقها استبدال هذه الاختبارات بألعاب فيديو مثل لعبة “تيترِس” التي تُستخدم لتقييم قدرة الأفراد على معالجة المعلومات وتعلّم مهارات جديدة.
تُثبت هذه الألعاب على أجهزة مزوّدة بتقنيات تتبع العين، مما يسمح بدراسة مدى انتباه اللاعبين، واستخدام النتائج في الكشف عن اضطرابات مثل فرط الحركة، نقص الانتباه، والفصام.
يمنح هذا المعمل طلاب علم النفس فرصة لاكتساب الخبرة العملية أثناء دراستهم، والاستفادة من أبحاث الدكتورة جاكلين وتقنياتها الحديثة.
توضح فريدة المنياوي، رئيسة جمعية علم النفس: تنفيذ خدمات المختبر سيكون مفيدًا للغاية. يمكننا تنظيم ورش عمل أو فعاليات تستخدم الألعاب المعرفية، مما يساعد على إشراك المشاركين بطريقة ممتعة وتعليمية، ليتمكن الجميع من الاستفادة من تقنيات المعمل.”
كما سيلعب الذكاء الاصطناعي دورًا هامًا في إنشاء خوارزمية اللعبة “تيترس”، وسيتم تطوير الخدمات التي يقدمها هذا المختبر مثل ألعاب الفيديو البديلة عن الاختبارات وإطلاقها للجمهور في خلال خمس سنوات.
تؤكد ليلى رضوان، الطالبة بالسنة الثالثة في قسم علم النفس، قائلة: “يعتبر هذا المعمل إضافة فريدة لقسم علم النفس ، مما يميزه عن الجامعات الأخرى في مصر والشرق الأوسط، و مع عدم وجود معامل تجريبية مماثلة في المنطقة ، فإنه يوفر للطلاب فرصة فريدة من نوعها لاستكشاف تداخل الألعاب والقدرات المعرفية بشكل عملى.”