اجدد المقالات

الهوية العربية في زمن الفرانكو: هل يفقد الجيل الجــديــد انــتمـاءه اللـغــوي؟

تقرير: منة خالد حسان

تحرير: مهند أبو سريع

تصوير: عمر أبوزيد

إن اللغة العربية، التي كانت لقرون رمزًا للأدب والفكر والفن، بدأت تواجه تحديًا من نوع جديد داخل الحرم الجامعي للجامعة الأمريكية بالقاهرة، وبالأخص مع هذا الجيل الجديد. فبينما تسود الإنجليزية في الصفوف الدراسية وفي المناقشات اليومية، يُلاحظ أن كثيرًا من الطلاب يتحولون، دون وعي، إلى متحدثين ثنائيي اللغة، حيث يستخدمون الإنجليزية كلغة أساسية للتعبير، بينما تتلاشى العربية تدريجيًا وسط التحول اللغوي.

لا شك أن الإنجليزية هي اللغة العالمية التي تسيطر على كل شيء من المحاضرات إلى صفحات وسائل التواصل الاجتماعي. لكن هل يمكن أن نتحدث عن “اللغة” كأداة تواصل فقط، أم أنها في الواقع ساحة جديدة لحرب ثقافية؟  كيف يمكن لطالب في الجامعة الأمريكية أن يظل متصلًا بلغته العربية التي تحمل تاريخًا طويلًا، بينما تسيطر الإنجليزية على كل زاوية في حياتهم؟

الدكتورة نهى رضا، أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس بالقاهرة، ترى أن ظاهرة  خلط اللغة الانجليزية بالعربية تحمل أبعادًا اجتماعية أعمق؛ موضحة أن اللغة ليست مجرد وسيلة تواصل، بل هي ركيزة أساسية لبناء الهوية الثقافية.

 عبرت عن قلقها قائلة: “مع انتشار الإنجليزية في الحياة اليومية، يواجه الجيل الجديد خطرًا يتمثل في أن يصبح دون هوية ودون جذور ثابتة في ثقافته الأم”.

وتضيف الدكتورة نهى أنه من الطبيعي أن نعيش في بيئة متعددة اللغات، ولكننا في حاجة إلى أن نعيد تعريف علاقتنا بلغتنا الأم. قد لا يعني ذلك أن نتوقف عن استخدام الإنجليزية، ولكن يجب أن نعلم أهمية اللغة العربية، وأن استخدام اللغة العربية بإجادة  لا يتناقض مع العالم المعاصر بل هي اللغة التي صُدِّرت بها الثقافة والعلوم إلى الخارج في زمن مضى.

رينا سرحان، طالبة إماراتية بالجامعة الأمريكية، تلخص هذا الواقع، حيث شاركت مع القافلة أنها أصبحت تستخدم مصطلحات باللغة الإنجليزية بشكل دائم  بسبب دراستها التي تحتم عليها التحدث و التفكير باللغة الإنجليزية. ولكنها لاحظت أنها عندما تعود إلى المنزل، تستعيد مهارات اللغة العربية بشكل سريع.

 جملة “عندما أعود إلى المنزل” تلفت أنظارنا إلى موضوع شديد الأهمية  يلامس واقعنا الحالي، وهي ظاهرة  الآباء الذين لا يتحدثون باللغة العربية مع أولادهم في المنزل؛ لاعتقادهم أن اللغة العربية ليست دليل على التطور والرقي الاجتماعي مما ينتج أطفاًلا لا يفتخرون بلغتهم الأم.

حسب دراسة بعنوان دور الأسرة في العناية باللغة العربية لأفرادها تعزيزاً لهويتهم الوطنية أقيمت في كلية التربية بجامعة بنها ، فإن الأهل يلعبون دور أساسي في تشكيل هوية الطفل كي يتمكن من الاندماج مع المجتمع المحيط به. وتشير الدراسة أن مفهوم الهوية يوجد به ثلاث مقومات أساسية وهي: اللغة والدين والثقافة. 

لكن حتى إذا تشبث الأهل باللغة العربية، أصبحت السوشيال ميديا هي المدرسة والحرم الجامعي الأساسي لآلاف الشباب، حيث تُزرع الأفكار حول ما هو أنيق وما هو مؤثر. بين التغريدات والفيديوهات القصيرة، أصبحت اللغة المستخدمة رمزًا للنجاح والمكانة الاجتماعية بالنسبة للكثيرين.

وفقًا دراسة بمجلة البحوث الإعلامية التابعة لجامعة الأزهر عام ٢٠١٩، فإن ٣٩.٢٤٪ من المحتوى الذي يتم نشره علي مواقع التواصل الإجتماعي كان مكتوب باللغة العامية، وشكل الفرانكو المکتوب بالحروف اللاتينية ٣.٨٣٪ من المحتوى، وقد أشارت الدراسة أن ذلك الإستخدام “يهدد اللغة العربية بالإنقراض و يمحو خصوصياتها”.

فوسط كل تلك المخاطر، طلاب الجامعة الأمريكية الآن لا يواجهون اختبارًا أكاديميًا فحسب، بل يتعين عليهم أيضًا خوض مفترق طرق بين هويتهم اللغوية العربية ولغتهم الثانية الإنجليزية.

الدكتورة إيمان سليمان، رئيس قسم تدريس اللغة العربية بالجامعة الأمريكية، أكدت لجريدة القافلة أن الجامعة حريصة على  ترسيخ مكانتها جسرًا بين الثقافات، موضحة أن رؤيتهم للقسم مبنية على إتاحة فرصة  للتواصل بين الطلاب ذوي الخلفيات المختلفة من خلال اللغة العربية.

أشارت إيمان أن معظم محتوى القسم من محاضرات و ندوات مبني على دمج المهارات اللغوية والاستخدام الفعلي لها، بطريقة تحافظ على الهوية والثقافة العربية. 

تقول الدكتورة إيمان إن “اللغة حافظة تراثنا من القصص والشعر والتعابير والأمثال التي تعكس ثقافتنا الاجتماعية والتاريخية”.