رمضان على السفرة: كيف تحولت الحلويات إلى رمز للهوية والثقافة؟
تقرير: هنا إبراهيم
تحرير: دانية العجوري
كل عام يحل شهر رمضان حاملًا العديد من العادات الاجتماعية والعبادات الدينية. ومن بين هذه العادات، تتألق الحلويات الرمضانية التي لا تكتمل المائدة بدونها. ولم تعد مجرد أطباق شهية تقدم بعد الإفطار لكنها أصبحت جزء من الهوية الثقافية المصرية. ويتكرر مشهد الأسرة البسيطة المجتمعة حول طبق الكنافة التقليدي في شهر رمضان الكريم كل عام، وتبقى تلك اللحظة ذكرى مخلدة في الأذهان. قد شكلت الحلويات الرمضانية عنصرًا مهمًا يعكس دفء الشهر وروح الكرم والتقاليد.
ومع أن البعض قد لا يفهم أهمية الحلويات الرمضانية ويظنها مجرد طبق اضافي بعد طعام الافطار، ولكنها في الأساس جزء من تراث ثقافي يعكس تاريخ الشعوب وتفاعلها عبر العصور. من البلاط الأموي إلى طاولات الإفطار في القرن الحادي والعشرين، شهدت هذه الحلويات تغيرات كبيرة لكنها حافظت على مكانتها كجزء لا يتجزأ من تقاليد رمضان.
فالأطباق الرمضانية المعروفة والحلويات لها أصول وجذور تاريخية وثقافية عريقة، وقد أمتدت عبر قرون من الزمن. فكانت تتشكل وتتغير حسب عوامل عديدة و مختلفة. وحتى يومنا هذا، الاختلافات أو التطورات التي تشهدها الأطباق ما هي إلا تطور طبيعي يحدث منذ آلاف السنوات.
فليس بالضرورة أن يكون هذا التطور شيئًا سلبيًا يؤدي إلى اندثار الهوية العربية أو تشكيلها بطريقة غير مُرضية. كما قالت هند فتفت، محاضر علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية بالقاهرة أن”التغيير الثقافي ليس دائما خسارة” موضحًة أن تطور الحلويات الرمضانية هو تطور طبيعي لجزء من أجزاء الثقافة وليس بالضرورة خسارة.
فعلى سبيل المثال، تعود القطائف كحلوى رمضانية إلى العصر الأموي. ولكن مع مرور الزمن، نشهد حشوات مختلفة وعصرية لهذه الحلوى . و كما ذكرت هند أن “ذلك التغير لأصل الحلويات يعود لعدة عوامل مثل الانفتاح الثقافي، و العولمة، والهجرة، مثل هجرة السوريين على مصر حديثًا” موضحًة كيف ترك لمسته الخاصة على المطبخ المصري مشيرة إلى اكتساح الحلويات السورية الأسواق المصرية.
وفي مقالة نشرتها صحيفة ذا جارديان اتضح أن هجرة السوريين الى مصر لم تثير ثورة في الاكلات الرئيسية فقط ولكن ايضًا عرّفت المصريين على حلويات سورية جديدة والتي سرعان ما احبها الناس وتعلقوا بها. وأشارت المقالة أن أحد أسباب حُب المجتمع المصري للحلويات السورية هو “استخدام السوريين للسمنة الطبيعية و مختلف أنواع المكسرات”. ونرى أن سرعان ما بدأت المطاعم المصرية الأخرى أن تستخدم هذه المكونات في حلوياتها ايضًا بعد ما لاحظوا حب الناس لهم.
قالت ملك محمد، طالبة هندسة بجامعة المستقبل “الطعام يعبر الحدود قبل البشر، فكل هجرة تترك أثرها على المطبخ، تضيف إليه، وتعيد تشكيله.”.
على غرار ذلك، عند سقوط الأندلس في القرن الخامس عشر، انتقل الكثير من المسلمين إلى شمال إفريقيا والشرق الأوسط وجلبوا معهم تقنيات صنع الحلويات التي لا تزال موجودة حتى اليوم. و هذا ينطبق على أطباق عديدة اكتسبناها من دول وثقافات أخرى مثل البقلاوة التركية، فقد أصبحت البقلاوة ايضًا جزءً لا يتجزأ من الحلوى الرمضانية في مصر.
علقت على هذا الأمر دكتورة سليمة إكرام، دكتورة علم المصريات بالجامعة الأمريكية بالقاهرة قائلة: “لقد تأثر المطبخ المصري بالكامل بثقافات أخرى لأننا نقف عند مفترق طرق القارات. فمثلا، هناك تأثير تركي كبير على المطبخ المصري.”
وبالإضافة يبقى العامل الاقتصادي عامل مؤثر جدًا على تطور الحلويات الرمضانية. حيث وضحت الدكتورة سليمة أن الظروف المادية تدفع الناس ليبنوا سلوك أكثر اقتصادًا. ومع اختلاف الأوضاع الأقتصادية عبر الزمن، اختلفت قيمة الحلوى أيضًا فكانت الحلويات حسب ما ذكرته هند: “دليل على الثراء” ولكن بسبب العوامل الدخيلة على الثقافة أصبحت متاحة لعامة الشعب.
و ستظل التطورات تحدث لأن هذا أمر طبيعي للغاية و يتطلب وقت طويل و سنوات عديدة. وهذا بسبب العولمة التي أضافت أبتكارات جديدة وغير تقليدية علي المطبخ العربي و المصري بالتحديد. و لم تُنقِص هذه الإضافات من لذة رمضان ولا من الاستمتاع بالحلوى المختلفة.